قذافي زيمبابوي روبرت موغابي

خميس, 11/16/2017 - 14:06

أحمد بدر

 

جميعنا نتفق أن القذافي كان حالة فريدة بين الزعماء الأفارقة من حيث غرابة التصريحات الرسمية وغرابة تصرفاته الشخصية مما يجعل من النادر أن تجد مثيلًا له.

ولكن لو تعمقنا في حالة روبرت موغابي رئيس زيمبابوي، وهو ثاني رئيس للبلاد منذ أن نالت استقلالها سنة 1980!

ربطته بالقذافي علاقة وثيقة، حتى أنه صرح بعد مقتل القذافي أن مقتل القذافي خبرٌ محزن تمامًا مثل خبر مقتل السفير الأميريكي بليبيا آنذاك.

ستكتشف أن روبرت موغابي ديكتاتور زيمبابوي لا يتشابه فقط مع القذافي في الغرابة والطرافة، وإنما يمتد الأمر لتمسكه بالحكم القذافي حكم الشعب الليبي 42 عامًا بينما موغابي يحكم شعبه منذ 36 عامًا.

ليس هذا وحسب، بل وفقا لتصريحات موغابي الأخيرة، والذي يبلغ من العمر 92 سنة، في مقابلة استمرت ساعتين مع تلفزيون الدولة ZBC، تساءل موغابي «لماذا خليفة؟ ما زلت هنا، لماذا تريدون خليفة؟ لم أقل أني مرشح للتقاعد»، واستطرد أن «الزعماء يُنتخبون لا يعينون». كما أوضح أن خليفته يجب أن ينتخب ديمقراطيًا، موضحًا أن زوجته لن ترث حكمه بشكل تلقائي، فيما حذر الأعضاء المنقسمين في حزبه الحاكم الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي الجبهة الوطنية من أنه لا يزال يمسك بزمام السلطة بعد 36 عامًا من الحكم. وأضاف للمقابلة أنه يريد أن «يعيش حتى يبلغ المائة وإنه لا يزال بصحة جيدة ويمارس التدريبات الرياضية يوميا في الصباح»!

وهذا وجه آخر للمقارنة الذي يتفق فيه موغابي مع القذافي.

فمن هو روبرت موغابي؟

ربورت موغابي

ولد روبرت غبرييل موغابي يوم 21 فبراير 1924 في كوتاما بزيمبابوي، لأسرة مهاجرة من ملاوي، ينتمي موغابي إلى «الشونا» التي تشكل نسبتهم 80% من المجموعات العرقية في زيمبابوي، ونشأ في بعثة كاثوليكية يسوعية بعد أن افترق أبواه وهو في سن العاشرة.

التوجه السياسي

انخرط موغابي عام 1960 في صفوف الماركسيين معلنا توجهًا «ماركسيًّا لينينيًّا ماويًّا» – ويعد هذا إحدى النقاط الأخرى التي يتشابه فيها موغابي مع القذافي من حيث التوجه الاشتراكي حيث كان القذافي يدعي أنه يؤمن بالاشتراكية على طريقة لينين وماو سي تونج باني نهضة الصين الحديثة – في حزب يدعى الحزب الوطني الديمقراطي الذي سيصبح فيما بعد «اتحاد شعب زيمبابوي الأفريقي، زابو».

ترك موغابي «زابو» بعد أن حُظر الحزب والحركة بقرار حكومة إيان سميث العنصرية في عام 1963، وأنشأ حزبًا خاصًّا به عرف باسم «الاتحاد الوطني الأفريقي بزيمبابوي، زانو»، وأغلب أعضائه من «الشونا».

اعتقل في 1964 وأطلق سراحه عام 1974 ثم انتقل إلى موزمبيق حيث قاد ميليشيا ضد نظام أيان سميث، وبعد اغتيال رفيق دربه المحامي شيتيبو في زامبيا أصبح موغابي قائد المسلحين الناشطين ضد نظام سميث.

لم يشارك موغابي في أول انتخابات عرفتها البلاد عام 1979 لاقتسام السلطة بين البيض والسود، ففاز المجلس القومي لأفريقيا المتحدة بزعامة آبل موزوريوا, وفي تلك السنة عاد موغابي إلى بلاده وشارك حزبه في انتخابات مارس 1980، فحصل على 57 مقعدا من أصل 80 وعُين رئيسًا للوزراء يوم 18 أبريل 1980.

انتخب رئيسًا للجمهورية 1987، وأعيد انتخابه 1990، 1996، 2004، 2008، وحتى في عام 2013 بنسبة 61% من الأصوات، في انتخابات اتهمتها المعارضة بالمشبوهة مما يعني بقاء موغابي في منصبه حتى عام 2019!

تتهم بريطانيا موغابي بالدكتاتورية وبفرض حزبه على المشهد السياسي، كما تتهمه بالعنصرية ضد البيض. كما قامت لندن بإقرار عقوبات ضد زيمبابوي في إطار مجموعة الكومنولث وبتأييد أميركي وأسترالي، غير أن الدول الأفريقية الأعضاء في الكومنولث رفضت القرار البريطاني.

اتخذ الاتحاد الأوروبي عام 2002 قرارًا بمنع موغابي من أن يحل بأي دولة من دوله. وفي 8 ديسمبر 2003 علقت عضوية زيمبابوي في الكومنولث, وفي العام نفسه أقر الكونغرس الأميركي عقوبات على حكومة موغابي واتهمها بالعنصرية.

موغابي يحارب العنصرية بالعنصرية!

قام موغابي بالحد من امتلاك السكان ذوي الأصول الأوروبية للأراضي بتوزيعها على السكان الأصليين (70% من تلك الأراضي يمتلكها أربعة آلاف مزارع من أصول أوروبية), وأنشأ دستورًا جديدًا للبلاد عام 2000 ينص على الإصلاح الزراعي وبهذا الإجراء يكون قد حارب إجراءات الاستعمار العنصرية ضد السود بعنصرية أخرى ضد البيض، خصوصًا أن هذا القانون أدى إلى هجرة عدد كبير من ذوي الأصول الأوروبية، ليس هذا وحسب بل تسبب في كارثة في مجال الزراعة حيث تدهورت الزراعة بشكل كبير، فقد تم تسليم الأراضي لأناس ليس لديهم أي خبرة بالزراعة، مما تسبب في انتكاسة حقيقية في الإنتاج الزراعي، مما جعل زيمبابوي تعاني من المجاعة وتفشي سوء التغذية فيها، حيث أصبح أكثر من نصف السكان يعانون من سوء التغذية.

ليس هذا وحسب بل بينت مشاهد نشرها تلفزيون محلي في جنوب أفريقيا، رئيس زيمبابوي روبرت موغابي وهو يرفض الإدلاء بتصريح لمجموعة من الصحافيين في جنوب أفريقيا بقوله «لا أريد أن أرى رجلا أبيض»، حين أحاط الصحفيون بموغابي أثناء تواجده في سويتو قلب النضال ضد الفصل العنصري، حيث شهدت المنطقة ثورةً تعرف بـ«ثورة سويتو» دامت ستة شهور خلال عام 1976، ونجحت بالامتداد إلى جميع أنحاء جنوب أفريقيا لمناهضة حكم الأقلية البيض للبلاد.

ما السر وراء صحة موغابي!

قال موغبي في حوار «أشعر بالإعياء ما لم أمارس التمرينات الرياضية». ولا يحتاج موغابي إلى ساعات نوم طويلة، فهو يستيقظ ما بين الرابعة والخامسة صباحًا، ويستمع إلى بي بي سي وورلد وفقًا لمصادر مقربة منه.

ولكنه لا يحب استخدام الأدوات الرياضية الحديثة الموجودة بقصر الرئاسة بمعرفة زوجته لأنه يفضل اتباع نظامه الخاص!

ويقول «في السجن، لم يكن لدينا أي أدوات. كان لدينا أنفسنا فقط، وهذا هو ما أعمل على أساسه حتى يومنا هذا».

وربما يكون تناول السادزا – وجبة شعبية في زيمبابوي – التي تُحضر من الذرة غير المصفاة، من أسرار العمر الطويل لأنها صحية أكثر مقارنةً بالطبق الأكثر انتشارًا في أماكن أخرى الذي يحضر من الذرة الشامية البيضاء.

وهو لا يدخن رغم أن من المعروف عنه تناول بعض الخمر على العشاء.

عيد ميلاد فخم بالرغم من الجفاف!

 

احتفل موغابي بعيد مولده الثاني والتسعين بحفل فخم أثار انتقادات واسعة في البلاد التي تعاني من الجفاف والفقر.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن حفل عيد الميلاد بمنطقة «ماسفينغو» جنوب شرق البلاد بالقرب من موقع مدينة «جريت زيمبابوي» المدمرة، وكانت التكلفة نحو 800 ألف دولار.
وقال بوبوراي توغاريبي من رابطة الشباب بحزب «الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي «زانو- بي إف»: «إن حوالي 50 ألف ضيف سيتناولون مئات الكيلوغرامات من اللحم البقري».

ولم يعرف ما إذا كان اللحم يشمل لحوم الحياة البرية مثل الفيلة كما حدث في حفل عيد ميلاده الحادي والتسعين الذي بلغت تكلفته مليون دولار !

موغابي وأوباما:

لعل أكثر ما يميز موغابي هو تصريحاته الغربية بخصوص الغرب وأمريكا خصوصًا بعد قرار المحكمة العليا بأمريكا تأييد قرار زواج المثليين في 26 من يونيو الماضي. بالطبع انتقد موغابي هذا القرار ولم يقف عند هذا الحد، بل صرح موغابي معلقًا على هذا القرار قائلا «علمت بتأييد الرئيس الأمريكي أوباما لزواج المثليين ودفاعه عنهم، وأعتقد أنه عليَّ الذهاب لواشنطن، وأن أجثو على ركبتي وأطلب يده للزواج». كما حث موغابي شباب بلاده على النأي بأنفسهم عن المثلية الجنسية أثناء احتفال أقيم بمناسبة بلوغه التسعين. وقال موغابي، إنه يشعر «كأنه صبي في التاسعة».

موكب موغابي ينشر الموت

في عام 2012 ذكرت صحيفة «هيرالد» في زيمبابوي أن الحادث الذي وقع الأحد في السابع عشر من يونيو 2012 هو الثالث المميت في نفس الشهر للموكب الرئاسي الذي يضم 25 سيارة. ونقل عن المتحدث باسم الشرطة وين بفودزيجينا أن سائق حافلة الركاب الصغيرة (ميني باص) لم ينتبه إلى أبواق التحذير الصادرة عن سيارات الموكب، وأضوائه. وقال المتحدث: «وقع الحادث بسبب التغاضي الكامل عن قواعد المرور». وبحسب القانون المحلي، فإن للموكب أولوية المرور ويتعين على جميع السائقين إفساح الطريق والتوقف لدى مروره. وقد جرى تبرير هذه القواعد على أنها إجراء أمني وإشارة إلى احترام الرئيس. ولم تتضرر السيارة الليموزين مرسيدس المدرعة الخاصة بموغابي في الحادث، رغم إصابة اثنين من الحراس.

وفي حادث آخر، تورط فيه الموكب في وقت سابقٍ، دهس مسئول أمني بدراجته النارية أحد المشاة. وفي حادث ثالث، تعرضت إحدى سيارات الموكب الرئاسي لانفجار إطار أدى إلى حدوث تصادم توفي فيه جنديان وأصيب آخرون.

في عهد موغابي الطويل، ساءت الأحوال وعم الفقر البلاد، وجاءت تصريحاته الغريبة على حساب مشاكل الجفاف والفقر والأمية.

فهل سنشهد نهاية روبرت موغابي مثل نهاية صديقه القذافي أم أن معطيات الشعب الزيمبابوي تؤدي لغير ذلك!

هل خوف شعب زيمبابوي سيكون السبب في نهايته