الشيخ حمدا ولد التاه : النوازل أهم حافظ للتراث الموريتاني (ح1)

خميس, 02/23/2017 - 12:54

يعود أصل هذه المادة العلمية إلى محاضرة ألقاها الشيخ حمدا ولد التاه قبل 18 سنة في مؤتمر علمي في نواكشوط حول التراث الموريتاني، وللقيمة المتميزة لهذه المحاضرة يقدمها موقع ريم آفريك للقراء على حلقات

النوازل ودورها في حفظ التراث الموريتاني

للشيخ حمدا ولد التاه

النوازل جمع نازلة على القياس في جمع ملا يقل كفوارس واصطلاحا هي مجموعة الفتاوى والأجوبة على مختلف المشاكل التي تنزل بالمجتمع في مختلف المجالات، وبعبارة أخرى هي ذلك الحوار المستمر بين الثوابت الشرعية ومستجدات الحياة، وهو حوار يديره المجتهدون والراسخون في العلم، أو هي بعبارة أخرى، اجتهادات المجتهدين فيما ينزل بالمجتمع

وقد ظهرت النوازل مبكرا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، ثم على عهد التابعين وهكذا ظلت سائرة، عبر العصور، وهي العنصر الأساسي لدوام الشرعيعة وشمولها ذلك أن النصوص متناهية والحوادث والوقائع غير متناهية، ولهذا فإن عنصر الاجتهاد عن طريق القياس والاستدلال هو المكمل والضامن لاستمرار الشريعة.

أما التراث فهو مشتق من ورث وهو على وزن تفعال لكن حذفت فاؤه ثم  عون عنها تاء كما هو القاعدة الصرفية كتقوى ونحوها، لأن أصلها وقى، أما في الاصطلاح فإن التراث هو مجموع ما تركه الأجيال لمن بعدهم من أفكار وتقاليد حياة، ومن هنا فإنه يلتقي مع مفهوم الثقافة بالمفهوم العام ويراد بالتراث ما يعرف بالفرنسية ب Le patrimoine

وعلى هذا الأساس فإن العلاقة بين التراث والنوازل علاقة قوية، لأنهما يلتقيان حول الأنشطة البشرية، التراث من حيث واقعها ووقائعها، والنوازل من حيث أحكامها.

وعلى هذا الأساس، عقد الإمام القرافي رحمه الله تعالى فصلا خاصا بين فيه أن حميع الأحكام المبنية على الأعراقف والتقاليد تتغير تبعا لتغيرها،وقد نص علماء المسلمين على أن المفتي يلزمه قبل الفتوى أن يسأل عن أعراف وتقاليد البلد المستفتي فقد يكون لفظ ردة في سبيل المثال في منطقة وليس كذلك في منطقة أخرى كما هو في العبارة الشائعة "ادخلت على مولانا" فهي في غرب موريتانيا تعني استعذت بالله، لكنها في مناطق أخرى تعني حقيقتها اللفظية وبذلك لا يجوز إطلاقها في حق الله تعالى.

 

مدارس النوازل الفقهية في موريتانيا

ظهرت في موريتانيا عدة مدارس أو مذاهب في التعاطي مع النوازل، ومن أبرزها

مدرسة الالتزام بالمذهب : ووضع القواعد الأساسية وتحديد المراجع المقبولة والمردودة، وعلى أساس هذا المنهج وضع العلامة النابغة الغلاوي نظمه المعروف ببوطليحية وهو نظم بين فيه أسلوب الفتوى، وكان مما حددها بها أن تكون

صريحة غير حمالة أوجه

حذر من عبارات التشكيك مثل : الذي يظهر لي أو انظر، أو تأمل أو ينجلي وبين أن هذه العبارات ما لم تسند بدليل خارجي لم تزد على أن كانت بحثا لا فتوى.

الفتوى بالمتفق : عليه أي بين رجال المذهب المالكي فإن لم يوجد فبالراجح وهو ما قوي دليله، فإن لم يوجد فبالمشهور وهو ما كثر قائله،فإن لم يوجد فبالمساوي من غير تشه وفي هذا المعنى يقول

وما به الفتوى تكون المتفق

      عليه فالراجح سوقه نفق

فبعده المشهور فالمساوي

في رتبه لمن لها يساوي

ثم بين النابغة رحمه الله تعالى المراجع التي تعتمد عليها وحدها بقوله

واعتمدوا حاشية الحطاب

إلى آخر السلسلة المعتمدة

ثم ذكر الكتب التي لا يعتمد عليها إلا إذا انضم إليها غيرها فتعززت به وفي ذلك يقول

ولا يتم نظر الزرقاني 

إلا مع التودي والبناني

 

إلى أن يقول

وما يقال فيه قبل في الباقي    كالشبرخيتي وعبد الباقي

 

ثم حذر من مجموعة من الكتب سماها الكتب الشيطانية لأن نسبتها لأصحابها لم تثبت، كما حذر من الفتوى من الطرر وهي ما يضعه الطلبة على حاشية النص زمن الدراسة لأنها مجرد مذكرات قد تكون لها ما يكملها، كما حذر من مجموعات أخرى من الأقوال الشائعة في المذهب مثل القول أن طلاق الغضب لا يلزم ومنها أن طلاق أم العيال لا ينفذ.

ومن أبدع ما تناوله من مباحث في كتابه هو الفرق بين الاختلافات القائمة على أساس الأدلة والاختلافات القائمة على أساس الأدلة والاختلافات القائمة على أساس التصورات وبين أن هذه الأخيرة لا تعد اختلافا في نفس الأمر، وهذا النوع هو ما يعرف بقولهم خلاف من الحال أو خلاف في الشاهد.

ويمكن تمثيل هذا النوع باختلاف العلماء في أنواع من المشقة لأن المشقة عند الفقهاء تنقسم إلى المشقة العليا وهي معتبرة قطعا،ومشقة سفلى وهي ملغاة قطعا ومشقة وسطى تبني الأحكام عليها.

يتواصل