كشف موقع وكالة "bloomberg" للأنباء تفاصيل جديدة عن محاولة الرئاسة الموريتانية الحصول على أجهزة تجسس خلال العام 2015، وهي المحاولة التي سبق للأخبار أن كشفتها أولى تفاصيلها في شهر مايو 2016، وخسرت الرئاسة فيها 1.5 مليون دولار، وأشرف على العملية الفاشلة مستشار الرئيس أحمد ولد اباه الملقب "احميده".
وهذا نص التقرير الذي نشرته موقع موقع وكالة "bloomberg" للأنباء والتي يوجد مقرها في نيورك.
ما بعد سنودن ... زحمة البحث عن أسلحة الكترونية
في أحد أيام شهر فبراير عام 2015، دخل "مانيش كومار" القصر الرئاسي في العاصمة الموريتانية نواكشوط عبر البوابة الجانية شديدة الخصوصية، برفقة مضيفه الحكومي في سيارة قادها رجل بملابس محلية "دراعة بيضاء" وشق بها الطرق الخلفية للمجمع الرئاسي، بعيدا عن القصر الذي تلمع واجهته الزجاجية مانحة إياه مظهرا عصريا يليق بلقاء بين "مارثا ستيوات" والشاعر "غانغا دين".
انسحب السائق إلى بناية أصغر يعلوها لاقط ضخم للأقمار الصناعية، فقد جاء "كومار" تلبية لدعوة من أحمد أباه الملقب حميدة، المشهور بصفته مستشارا للرئيس.
قبل ذلك بشهر كان "أباه" -الذي تشمل مسؤولياته الإشراف على جهاز التجسس الألكتروني على خصومه رئيسه- قد حول مبلغ نصف مليون دولار إلى حساب في "جزر العذراء" البريطانية كدفعة أولى للحصول على تكنولوجيا متطورة تقدمها شركة "كومار" "وولف أنتليجنس" ضمن عقد بقيمة 2.5 مليون دولار يشمل عقدا سنويا للخدمة.
كانت أكبر صفقة واعدة لتاجر الأسلحة الإلكترونية
لم يكن "كومار" أكثر من مبرمج يستأجر معظم أدواته لتنفيذ المهام الصعبة التي تطلب منه في مجال التجسس الرقمي، ولم تكن "وولف أنتجلس حينها ذات صيت يذكر، ولكنه كان طموحا وجاء في الوقت المناسب.
فبعد عامين من تسريب إدوارد اسنودن وثائق وكالة الأمن القومي الأمريكية أصبحت كل دولة ترغب في أن تكون لها وكالتها المصغرة.
أكثر الأسلحة الرقمية تقدما – البرمجيات التي تستخدمها الحكومات للتجسس أو تخريب الحواسيب- صممت من طرف دكاترة يعملون مع متعاقدين في مجال الدفاع مثل Raytheon و Northrop.
ولكن هذه السوق محصورة في الولايات المتحدة الأمريكية ونخبة من حلفائها القادرين على شرائها.
ما سوى ذلك يدار من طرف "ذئاب منفردة" وشركات صغيرة تقوم على ما يسميه الاقتصاديون "ثقة العاجز".
حيث يصعب على البائع والمشتري كليهما معرفة إن كان الآخر محتالا أو لصا، أو ربما أخطر من ذلك.
موريتانيا الدولة ذات الأربعة ملايين الواقعة على الساحل الغربي لإفريقيا والتي شهدت عشرة انقلابات أو محاولات انقلاب منذ استقلالها، وربما تكون معروفة أكثر في الغرب بكونها واحدا من بلدان قليلة ما زال توجد فيها العبودية، هي أيضا نقطة ساخنة للراديكالية الإسلامية، مما جعلها حليفا للولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب، وكذلك زبونا متعطشا لتقنيات التجسس، من أجل استخدامها ضد المشتبهين بالإرهاب، مع احتمال استخدامها ضد الصحفيين والنشطاء والمعارضين السياسيين.
تسعى موريتانيا من خلال "وولف" إلى نظام يمسح لها بهجمات متعددة الأهداف على شبكة واسعة، تشمل عموم مزودي خدمة الهواتف النقالة وخاصة عناصر معنية في بلد يبلغ عدد مستخدمي الهواتف الثابتة فيه 51 ألفا، ولكن – حتى رعاة الماشية فيه- يملكون هواتف نقالة.
عرض "وولف" يعد زبناءه بإمكانية تنفيذ "هجمة رسائل نصية صامتة" وهي تقنية متطورة تسمح بالتحكم الكامل بالهاتف الذكي للشخص، من دون الحاجة إلى الضغط على رابط أو أي تفاعل آخر.
كومار يبالغ أحيانا في تعهداته – فهو مندوب مبيعات- وحين وصل إلى القصر الرئاسي في ذلك اليوم كان يعرف أن شركته لن تستطيع توفير الهجمة التي تعد بها.
ف"وولف" تحتاج قطعة خاصة من التعليمات البرمجية بمعايير أمنية تسمح باستهداف أجهزة "آبل" و "أندرويد" كليهما، ويعرف كومار أن القراصنة الإسرائيليين طوروها، والمشكلة أنها تكلف مليون دولار، وذلك سعر لن يستطيع تأمينه إلا إذا أقنع موريتانيا بتحويل دفعتها التالية من الثمن.
لكن "أباه" كانت لديه فكرة أخرى.
وفي الوقت الذي صب فيه مساعد المستشار الرئاسي كأسا من الشاي، قدمه "أباه" إلى كومار" مع تأكيده مهلة زمنية محددة، وأردف ذلك بتهديد: إذا لم يعمل نظام "وولف" بشكل كامل قبل نهاية زيارة كومار لن يغادر هو ولا التقني الذي جلب معه البلد.
غير متأكد مما إذا كان "أباه" جادا، قال كومار مازحا إنه لا يأكل المكسرات وأنه من عشاق التأمل، ويحتاج قائمة طعام نباتي في سجنه. لكن "أباه" لم يضحك.
خطأ صغير.. وذهب كل شيء هباء.. المال.. الحياة.. وكل شيء
كومار ذو الثلاثين عاما بقامة تبلغ ستة أقدام وشعر قصير مسرح إلى الخلف والوسيم قليلا بدا وكأنه وجد نفسه على مسرح بوليوودي.
كانت لديه مشاريع مختلفة لحياته، فعلى الرغم من أنه ما زال في مقتبل العمر فقد توغل عميقا في صناعة الأسلحة الرقمية، وذلك بفضل زحمة الطلبات المرتفعة عليها.
في أغسطس من عام 2016 أي بعد عام من لقاء الصدفة الذي جمع كومار و "أباه" زار صحفي منزل عائلة كومار في شمال الهند، وعلى غير عادة هذا النوع من الأشخاص أطلع كومار الصحفي على تفاصيل عميقة من مجال عمله خلال مقابلات على مدى ثلاثة أيام تحدثا فيها عن كل شيء، عن إحباط والديه من مجال عمله، وحتى مشاكل العمل التي تواجهه مع القراصنة الذين يستأجرهم.
وتحدث أيضا عن صفقته مع موريتانيا التي تحولت حينذاك إلى حدث دولي.
في أحد تلك المساءات، وقف كومار في أحد الشوارع الرئيسية الواسعة في سوق "غفار" وسط نيودلهي، حيث تنتشر رائحة "اللوتس" المحمص من محلات باعة الأرصفة المشاغبين، وحيث تباع مستلزمات الهواتف.
في منتصف نهار شديد الحرارة والرطوبة؛ شاب يكتب على جهاز كومبيوتر محمول، قرصان في الحادية والعشرين من عمره يبع خدمة فك التشفير "جيلبريك" بألف روبية (14 دولار) يحيط به زبناء أكبر منه عمرا، وتقنيون آخرون مشغولون بتوفير خدمات اختراق رسائل البريد أو تحويل كاميرات هواتف المدراء إلى أداة تجسس بناء على طلب زبون.
وبعد 45 دقيقة من اللحاق بأصدقائه في سوق "غفار" التي أمضى فيها سنوات تكوينه الأولى، اكتشف أنه ربما كان محظوظا بالخروج من موريتانيا، وقال: خطأ بسيط... وذهب كل شيء هباء.. المال.. الحياة.. كل شيء..
تعلم "كومار" القرصنة في "بيلاني" وهي بقعة شديدة الحرارة أسس فيها "جيت ميلان" واحدة من أفضل الجامعات التقنية في البلاد قبل نصف قرن، كانت عائلة كومار تريده أن يكون طبيبا ليسعدها، وكان يمضى المساء في الدراسة، لكنه في الليل كان يعلم نفسه طرق التشفير الرقمي من خلال متابعة دروس عبر يوتيوب.
في العشرين من عمره، أطلق مشروعا لتصميم مواقع الانترنت بقيمة 40 ألف دولار بدعم من عائلته، لكن المشروع لم يعمر طويلا، وبدأ يفكر في خيارات أخرى: " لم أرد أن آكل وأنام وأموت" هكذا قال.
بعد سنة من فشل مشروعه، ألف كتابا بعنوان" أسرار القرصنة" وقد منحه ذلك بعض التجديد، وكتب عنه أحد المعلقين في موقع أمازون إنه " ليس كتابا جيدا على الإطلاق، إنه يستهدف المبتدئين، وحين تكمله ستكون مبدئيا مع ساعة ضائعة من وقتك" .
ثم بدأ في إعطاء دروس في المعلوماتية للشركات الخارجية، ويعلم التلاميذ كيف ينظفون شبكاتهم من الثغرات الأمنية، لاحقا، جلب عددا من الموهوبين وكان مشروعه تنظيف البرامج الشائعة بحيث تكون آمنة تماما ومن ثم يصدرها إلى رومانيا وروسيا وأوكرانيا.
بعد فترة رأى أن عليه مغادرة الهند، أراد المضي قدما في مجال "الأسلحة الرقمية"، سوق التكنولوجيا الهجومية التي لم تتعاف بعد فقاعة "سنودن"، ولكنها بدأت فعلا تفتح أمام مشغلين متعددي الجنسيات، الذين يكون أكثر رشاقة وجشعا وأقل تقيدا بالأخلاق من شركات التكنولوجيا الدفاعية مثل مضادات الفيروسات.
هذا القطاع فيه قراصنة يعملون محالات مكشوفة في مواقع مطلة على شواطئ جميلة وفلل واسعة، ملتزمون بالقانون في تايلاند وإسبانيا وهولاندا. رجال ظل من الوسطاء معروفون، يستغلون السماسرة في عملهم مع الجهات الحكومية، ويستخدمون المستندات والفيديوهات لإثبات الصلة.
شركات وحكومات وحتى أفراد يعملون بكد لدفع الأذى عن شبكاتهم، وقد باع قطاع الأسلحة الرقمية أكثر من 80 مليار دولار من خدمات التكنولوجيا الهجومية خلال السنة الماضية وحدها، بحسب بحث لمؤسسة غارتنر حول سوق المعلوماتية.
معرفة نقاط الضعف تبقي الحاجة إلى أجهزة كومبيتر قوية وبمهارات غير عادية، وندرة هذه الأجهزة تنعكس على أسعارها.
فمثلا يستطيع مستغل لبرنامج وور برس الأكثر شعبية في النشر الالكتروني بيع برنامج ب 10 إلى 30 ألف دولار، في حين يستطيع موفر خدمة اختراق لمتصفح فاير فوكس بيع برنامجه ب 500 ألف دولار من دون أن تتهدل بذلته الأنيقة، وفق أحد السماسرة العاملين في المجال.
أما من يستطيع اختراق أنظمة تشغيل الهواتف الأكثر شعبية مثل أي أو أس وأندرويد فذلك يستطيع المطالبة بمليون دولار بكل أريحية، ذلك أنه ستمكن من تحويل الهاتف إلى أداة للتعقب، ومسجلا خفيا للمكالمات بالإضافة إلى توفير الدخول إلى البريد والرسائل القصيرة.
وهذه التكنولوجيا الهجومية تستهدف بالأساس الجهاديين والصحفيين فضلا عن المعارضين السياسيين والخصوم، أو من تحدده الحكومة.
كومار ملأ ثلاثة جوازات سفر بأختام الدخول للظفر بموطئ قدم في هذا العالم، سافر إلى إسرائيل معقل صناعة الأسلحة الرقمية للعمل مع شركة لبيع أجهزة اعتراض شبكات الوايف اي ومعدات رقابة أخرى، قدم دروسا في إيطاليا والشرق الأوسط وأوجد صلات مع كثير من الأشخاص هناك، ويقول إن " ما يحقق الثروة هو التقديم الجيد للمنتج إلى المستهلك الأمثل، وليس المنتج نفسه" ولكن عليه أن يفهم ما يريد الزبون وأين ستعقد الصفقة.
تعلم العملية ليس بالأمر السهل، فذات مرة تقرب من "راوول كيزيا" وهو سمسار مقيم في روما وقدم له منتجا يمكن استغلاله باستخدام مايكروسوفت أوفيس فقد فيه عرضا مضحكا لا يتجاوز قرابة 6 آلاف دولار، لكن كيزيا بعد تفكير أعاده إليه في مطار ميلان، فقد وجد أن البرمجية لا تعمل إلا إذا ضمنت في ملف وهذا ما يعبر بلا فائدة في هجمات التسلل.
يتذكر كومار هذا الحادث لاحقا ، حين صب كييزيا جام غضبه عليهبلكنة إيطالية قائلا للسمسار الهندي حين ظهر من جديد : هذا لن أعطيه لأكثر لأسوأ أعدائي,, "إنه حقا غير مهني".
تمكن كومار في عام 2014 وبشجاعة من تأسيس "وولف أنتليجنس" وبات يعمل لجعلها تستحق تمييز الزبائن.
وحين خشي من كون الهند تحت الأنظار بوصفها سوقا اقتصادية لتكنولوجيا التجسس، استأجر أوروبيين للمشاركة في المعارض العسكرية المقامة في أنحاء العالم.
وحين رأى تاجرا إسرائيليا ينتعل حذاء من ماركة إيطالية من نوع حذه تذكر قصته مع كييزا، وقال (كييزا على الأرجح سيوافق)
"وولف" جلعت مقرها المركزي العالمي في ميونيخ، وفتحت مكاتب لها دبي ورومانيا، ووظفت مدير تنفيذيا سويسريا يدعى " مارتن ويس".
وكومار ( المدير الرسمي للشركة) كان يرصد أي شيء قد يحتاجه تشجيع عمليات التجسس، من تشفير رموز البرامج وجتى دليل اختراق سماعة هاتف ب 4 آلاف دولار.
كان جاذبيته تتيح منصة آلية لمسح حركة شبكة المستهدفين وتحديد المستخدمين للتشفير وأدوات الخصوصية، يحددهم ويبحث في مكتبه لتوجيه الهجمات المناسبة.
ولكن رغم كل هذه الزحمة كان كومار يفتقر إلى زبائن كبار،- حكومة أو متعاقد دفاع كبير،- لذلك وقبيل نهاية 2014 التقط فرصة الوقت المناسب، واستأجر كشكا صغيرا في معرض "ميليبول" في قطر، الذي كان من بين المشاركين فيه عمالة الشركات الكبرى منRaytheon, Glock, Northrop Grumman, IBM, Cisco وأمل الحصول على حظه من ازدهار سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقا، وتصيد فرص مع دول مثل مصر وقطر و موريتانيا.
في أكتوبر ذاته ، وفي القاعة مترامية الأطراف بمساحة 65 ألف قدم مربع، في قاعة مركز الدوحة للمعارض، أكثر من 250 شركة لفتت انتباه الحاضرين من 60 دولة، من بين أولئك المسؤولين كان "أباه" الذي قاد فريق بلاده إلى كشك "وولف"، وقد أعجبه عرض "كومار" بدرجة كافية لتوقيع عقد ب 2.5 مليون دولار. ويقول "كومار" إنها كانت أفضل لحظة في حياته.
يتذكر "كومار" العشاء في مطعم "كونوت بلاس" حيث أرسل "شامي كابور" أحد المتعاقدين مع من نيودلهي إلى نواكشوط، لإيصال "سيفير" وجهاز كومبيوتر محمول" ثم قام هو نفسه بالرحلة لتثيت البرنامح بنفسه، حيث كان في بهو القصر الرئاسي يجلس قابلة "أباه"
حاول كومار أن يشرح ل "أباه" لم يملك بعد برنامح " الرسائل النصية الصامتة" لكن "أباه" لم يصدقه، وبعد أن هدده بمنع خروج كومار وكابور من موريتانيا، أعيدا معا إلى فندقهما.
قرر كومار وكابور أنهما لن يستطيعا الهرب واعتقدا أنهما مراقبان، ولن يخاطرا بهذه الخطوة، وفي اليوم الموالي رتبا بعجالة مكالمة هاتفية بين "أباه" و "ويس" (المدير السويسري لشركة وول) أكد المدير السويسري مرارا أن الشركة لا تملك البرنامج الذي ينفذ "هجمات الرسائل النصية الصامتة" وبين ل"أباه" أن الموريتانيين لن يكون لديهم نظام تجسس فعال من دون هذا البرنامج.. ثم رضخ "أباه".
طار كومار إلى أوربا وأمضى أسابيع يكدح لإنقاذ الصفقة، وفي أبريل سافر هو و "ويس" جوا للقاء الموريتانيين في منزل فخم في وسط باريس.
في انتظارهم كان "أباه" وأحمد ولد عبد العزيز ابن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الجنرال السابق الذي ساهم في إسقاط حكومتين قبل فوزه في انتخابات 2009.
جلس "أباه" على الأرضية بينما جلس ولد عبد العزيز على الأريكية في إشارة إلى مكانته
وافق الموريتانيون على دفع المبلغ المتبقي وقدره مليونا(2مليون) دولار إذا أرسل "كومار شخصا إلى موريتانيا حتى يعمل البرنامج بكفاءة، وحسب "كومار" فإن "أباه" علل ذلك بأنه بادرة حسن نية حتى يبقى "الممول" مرتاحا، ووافق "كومار" على إرسال تقني هندي آخر، وحينها عاد "نفيس أحمد" للعمل محاولا إحراز تقدم في البرنامج المفقود.
أحد معارف "كومار" الإسرائيليين ربطه بسمسار في تل أبيب يدعى ديفيد "دودي" ستيرنبرغ يقول إنه يستطيع توفير ما يحتاجه كومار، وكانت الصفقة التي اقترحها سترنبرع غريبة، حتى قبل لقاء كومار، وهي أن يحول مبلغ 100 ألف دولار إلى حساب في هون كونغ، ثم يدفع 400 ألف دولار أخرى قبل أن يشاهد دليل إثبات مصور يظهر البرنامج المطلوب، وليحصل على البرنامج لديه مهلة شهر لدفع نصف المليون المتبقي، وفي حال تجاوزه المدة الزمنية تعتبر الصفقة لاغية ( لم يجب سترنبرغ على الهاتف الذي قدمه كومار)
مليون دولار مبلغ كبير جدا مقابل برنامج تشغيل، ولكن سترنبورغ وفر عرضا استثنائيا، يستطيع عدد محدود من المستخدمين تشغيل البرنامج، ولكن جميع الهواتف النقالة ستتعرض لهجوم " الرسائل النصية الصامتة" بطريقة غير مرئية، وتحمل الرسائل تحديثات الهواتف وتؤدي للتحكم فيها.
لم يتسلم بعد كومار الدفعة الثانية من الموريتانيين، وكان عليه تأمين مبلغ 100 ألف دولار الأولى من صديق قديم في الهند يدعى "مانيش كوكجيرا" مالك لأحد الفنادق في نيودلهي، وكان أحد الأشخاص الذي نصحوه بالاستثمار في "وولف أنتليجنس"، وافق "كوكجيرا" على دفع المبلغ شريطة أن يتوجه مباشرة إلى تل أبيب لحماية استثماره ولإخفاء آثار العملية.
زارا سترنسبورغ في مكتبه في تل أبيب (....) ومع ذلك غادرا إسرائيل من دون 400 ألف دولار المتبقية، وموريتانيا ما زالت تماطل في سداد دفعتها، و"أباه يحضر شكوى من "كومار"
وحسب كومار فإن "أباه" قال إن برنامج "وولف" المثبت لديه لا يعمل بالكفاءة المطلوبة، وأن التقني أحمد لا يساعدهم، وعلم كومار أن المسؤول الموريتاني يحتجز جواز سفر أحمد بدلا من السماح له بالعودة، تماما مثل ما فعلوا من قبل مع كوامار، واستخلص من ذلك أن "أباه" لم يكن يريد شخصا لطمأنة "الممول" بل يريد الاحتفاظ برهينة.
وتتهم قوات الأمن الموريتانية عادة من طرف منظمات حقوق الإنسان بالتعذيب والاعتقال التعسفي والقتل خارج القانون، وهم عادة يستهدفون الافراد المتهمين بالإرهاب، ولكن بين الفينة والأخرى يستهدفون الصحفيين والنشطاء أيضا.
لا يحبذ "كومار" عموما التفكير في الجانب الأخلاقي لمهنته، ولكن زبونه هذه المرة له ميول ظلامية فقد هدده وهدد موظفيه وشركته.
وقد أغلق "أباه" الخط في وجه "بولومبرغ بيزنس ويك" ثم اتصل به على هاتفه الخلوي ولم يرد على الرسائل.
وقد قال لكومار إنه إذا رغب في الحصول على أموال شركته، فعليه العودة إلى موريتانيا وتقديم تكنولوجيا شركته بنفسه للرئيس عزيز، الذي يستطيع حينها توقيع الدفعة الثانية، ومع أنه من الواضح أنه العودة إلى موريتانيا مخاطرة، إلا أن كومار استشار أحد الوسطاء الروحيين فنصحه بالعودة إلى موريتانيا مؤكدا لأنه أنه على الرغم من تعامله مع أشخاص عديمي الضمير إلا أن حاجتهم إليه لا تقل عن حاجته إلى المال، فعاد جوا إلى موريتانيا.
وصل إلى نواكشوط رفقة "كوكريجا" وموزع "وولف" المقيم في دبي ويدعى "روهيت بوميا"، أمضى كومار أسابيع من الانتظار معظمها على الشاطئ، قبل استدعائه من نفس مركز القيادة حيث التقى "أباه".
وضع أمامه أربعة أجهزة كومبيوتر محمولة، موصولة بجهاز عرض مركزي، ثم شغل بعض الأساسيات كمن يحاول التحكم في ويندوز.
وغادر الرئيس عزيز الذي يصفه كومار بأنه "فائق الذكاء" من دون أن ينبس بكلمة، وخلال أيام دفع "أباه" لكومار الدفعة الثانية بقيمة مليون دولار.
وبشكل أكثر دقة، دفع "أباه" المبلغ ل بوهيميا الذي كان بمثابة الممثل المحلي ل" وولف".
إغلاق الصفقات في المنطقة عادة ما ينطوي على كسب غير مشروع، فحسب كومار فإن بوهيميا كان مجرد مسهل، وكان يقتطع 30% من أي صفقة ينفذها، وحول الثلث إلى المسؤولين الرسميين.
(بوهيميا قال في رد على بريدي الكتروني إنه لم يتحدث مع كومار منذ سنة ورفض الإجابة ورفض الإجابة على الأسئلة، والمتحدث باسم الرئاسة الموريتانية لم يرد على الرسائل التي تركت له على هاتفه الخلوي).
بعد اقتطاع الدفعة الثانية من موريتانيا قال بوهيميا لكومار إنه لا يتعقد أن هناك أملا في حصول شركة "وولف" على مبلغ المليون دولار المتبقي لها على الحكومة الموريتانية.
وعليه فإن الشركة لن تربح أي شيء من هذه الصفقة بعد اقتطاع برنامح "هجمات الرسائل النصية الصامتة" تجادل الاثنان، وقال كومار على بوهيما إعادة المبلغ الذي اقتطعه حتى تتمكن الشركة من سداد ثمن البرنامج للبائع الإسرائيلي سترنبرغ، ووعد كومار بوهيما بسداد عمولته مضاعفة من الدفعة الأخيرة المتبقية على الحكومة الموريتانية، فقال بوهيميا إنه سينأى نفسه عن الملف ونصح كومار بذلك.
عاد كومار وكوكريجا إلى إسرائيل وهما مصران على استكمال صفقة العمر، وكان كومار مستعدا لوضع مبلغ 400 ألف دولار أمام البائع الإسرائيلي مقابل برنامج "هجمات الرسائل الصامتة" لكن كانت لديه مخاوف من أن سترنبرغ خدعهم؟
إذا كان البرنامج عديم الجدوى فإنه كوكيجا سيخسر 500 ألف دولار وكومار ستنهار صفقته ويبقى لديه موظف عالق كرهينة.
وحتى إذا كان الاختراق حقيقيا فإن الموريتانيين قد يأخذون البرنامج ويرفضون دفع المليون المتبقي، واقتنع بوجهة نظر بوهميا أن لا أمل في ذلك المليون، لكن لديه موظفا هو "أحمد" وعليه إخراجه من العاصمة، من هنا بدأ تدويل القضية.
الحكومة الموريتانية تريد الانتقام
منتصف أغسطس 2015 كان شخص يدعى كريستان بوفيجيوناتو هو حارس شخصي يستمع ببداية إجازته الصيفية على شاطئ سافونا في إيطاليا مع صديقته، حين تقلى مكالمة من "ديفيد كاسترو" مديره في مجموعة "فيحيلار" -وهي شركة أمنية مقرها في مدينة ميلان،- قائلا: هل تريد الحصول على 1500 يورو في الأسبوع بسهولة إن كنت ترغب في قطع إجازتك، إلبس بذلة داكنة واقفز في طائرة إلى موريتانيا.؟
عليه إذا مساعدة شخص من شركة تدعى "وولف أنتليجانس" قدم عرضا لمسوؤولين حكوميين موريتانيين، قد يصادر هاتفه لكن سيكون في أمان وسيعاد إليه سريعا، لكنه اختفى لأكثر من أسبوعين. .
بروفيجيوناتو رجل قوي البنية وأنهى مؤخرا دورة تدريبة في الحراسة الشخصية في إنجلترا، ولديه عقد لمدة ستة أشهر مع شركة فيجيلار، كان عمله حتى تلك اللحظة هادئا وبراقا، وخاصة تأمين حفل شركة جوجيو أرماني في ذكراها الأربعين الذي حضره رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي وليوناردو دي كابريو وقائمة من الضيوف اللامعين.
أراد بوفيجوناتو أن يبقى مديره كاسترو سعيدا، لذلك قبل المهمة إلى موريتانيا، وخلال يومين حط في نواكشوط، التقى في المطار مع شخص أخذ منه جواز سفره، وأوصله شقة في حي قديم تؤجرها شركة وولف أنتليجانس ، وفي الشقة تفاجأ بوجود إيطالي آخر، يدعى لويندا رايتانو أخبره أنه موظف من طرف كاسترو للمهمة نفسها، وعلى المدخل الضيق كانت هناك منشورات مهمات المراقبة لشركة وول في جوهانسبورغ.
قال رايتانو إنه لم يلتق أحد من الحكومة وأن الشخص الوحيد الذي لقيه كان تقنيا من شركة وولف أنتليجانس يدعى نفيس أحمد وسيغادر بدوره قريبا، ويقول إنه مريض.
وبروفيجيتانو قصة زميله رايتانو غريبة لكنه يثق به، كما أن العمولة كانت جيدة، أمضى أسبوعه في نواكشوط، جالسا قرب شقة "وولف" متشبثا بالانترنت الضعيفة ومكيف هواء مكسور.
مدركا أن كاسترو كان يأمل استثمارات لوجيستية صغيرة لشركته والتخطيط لتطوير الشراكة، طلب كومار من كاسترو مساعدته في الحصول على " أروبي" إلى موريتانيا من أجل تقديم عرض لشركة وولف، مضيفا أن موريتانيا عبرت عن رغبتها في صفقة أسلحة وأن "أباه" معجب بحلفاء "فيجلار" الإيطاليين من قوات تطبيق القانون وبسوق الأسلحة الأوروبية، لقد كانت حركة يائسة من كومار، وكان يقول في نفسه، إنه يحاول كسب مزيد من الوقت على أمل العثور على بديل لبرنامج "الرسائل النصية الصامتة"، وفي حسابه لأسوأ الاحتمالات أن السلطات الموريتانية ستكون أقل قدرة على إخفاء إيطالي منها على شخص هندي، فقد أمن عمليا طريقة لتهريب التقني الهندي عبر الدفع لأحد الغرباء لإخراجه من موريتانيا
ومع اقتراب موعد عودة بروفيجوناتو نصح كومار كاسترو بسحب رجله من موريتانيا مؤكدا أن مهمته انتهت، ولا مبرر لصرف مزيد من المال عليه هناك.
ولتجاوز مشكلة هاتفه المحتجز، اقترح كومار على كاسترو أن يتواصل موظفه مع ممثل السلطات الإيطالية وإخباره بضرورة إخراجه وأنه قدم في مهمة استكشاف لفرص العمل في الصيد لكنه فقد جواز سفره.
كان بروفيجيناتو متوترا مشوشا بسبب تعليمات كاسترو لكنه حاول الحصول على المساعدة، إلا أن القنصل الشرفي لإيطاليا لم يكن في مكتبه، وخلال الأيام اللاحقة كانت اتصالاته بكاسترو على أشدها,
في الأول من سبتمبر سافر كومار إلى ميلان حيث التقى كاسترو والتقيا "أباه" في وسيلة اتصال آمنة، اقترح خلاله كومار لقاء آخر مع "أباه" في بلد أوروبي، لكن الأخير لم يبد اهتماما بذلك، فحاول كومار تهديده بالقول إنه إذا لم يعد بروفجيوناتو جواز سفره فإنه سيخبر السلطات الإيطالية بالقصة الكاملة.بعد ذلك اختفى بروفيجوناتو ولم يتمكن أي من شقيقيه او صديقته أليساندرا غولو من العثور عليه، مالك الشقة التي كانت تؤجرها شركة "وولف" قال إن رجلا يدخله إلى سيارة وذلك آخر العهد به، ومرت شهور على هذه الحالة حتى قررت السلطات الموريتانية أخيرا الاعتراف بوجوده، وفي 23 نوفمبر أرسلت إلى السفارة الإيطالية في المغرب رسالة تؤكد فيها أنه متهم بالاشتراك في عملية تزوير تستهدف الحكومة الموريتانية، وبعد ستة أشهر منذ ذلك اتهم رسميا بالتزوير وغسيل الأموال.
وما زال بروفيجوناتو معتقلا في موريتانيا في سجن عسكري على مشارف العاصمة، وقد زارته عائلته عدة مرات وقال أخوه "موريزو" إنه فقد 60 كيلوغراما من وزنه وأن لثته مصابة، ويعاني إهمال علاج مرض السكري، وفي رسالة بخط يده باللغة الإنجليزية موجة إلى "بلومبورغ بيزنس ويك" قال بروفيجوناتو إن "كاسترو" خدعه وتلاعب به" لإنقاذ "رايتانو" مضيفا أنه أظهر براءته وحسن نوياه، مؤكدا أنه " كان في وضع صعب، لأن البيع تم فعلا ورغم كل ذلك ما زال احتجازه مستمرا منذ أكثر من سنة وأربعة أشهر"
وقد رفض كاسترو التعليق على القضية في حين أن رايتاينو" الذي روسل على البريد الالكتروني نقى علمه بمشكلة صفقة وولف، وقال إنه قدم مباشرة من جوهانسبورغ مع كومار وهم متفائلين، ولكن أيا كان ما خططت له "وولف أنتليجانس" في موريتانيا فقد انهار، مضيفا أن " هذا الرجل كارثة، ولا أفهم كيف ما زال يسير أعماله"
وفي لقاء بين وزير العدل الموريتاني ونائب السفير الإيطالي في المغرب، قال الموريتانيون ل"موريزيو" إنهم لا يستطيعون إطلاق سراح أخيه حتى يعيد 1.5 مليون دولار التي يعتقدون أن لوولف أنتلجانس" أخذتها من خلال ذرائع وهمية ( كومار يقول إن المال ملك لووف أنتليجانس وحدها وأن "أباه" يعرف أن عليه شراء " برنامج " مشغل الرسائل النصية الصامتة" عبر طرف ثالث".
من جهته قال المتحدث باسم الخارجية الإيطالية "بولو بونيسون" خلال اتصال هاتفي إن هذه القضية نوقشت بين قادة البلدين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك سبتمبر الماضي، مؤكدا أن " قلقهم على مواطن إيطالي يواجه مشكلة، وأن هذا الوضع خطير"
وقد صرح "موريزيو" أن السلطات الموريتانية أخبرت بعثة دبلوماسية إيطالية بعد أشهر قليلة من لقاء الأمم المتحدة أنها قد تحتجز أخاه لمدة تصل إلى ثلاث سنوات حتى تستكمل التحقيقات، متسائلا" إن كانت السلطات الموريتانية تعقد أنه مذنب فلماذا لم يرسلونه إلى السجن،؟ وقال في رسالة عبر البريد الإلكتروني" لأنهم بعد التحقيق تأكدوا أنه ضحية ولكن الحكومة الموريتانية تريد الانتقام"
من جانبه قال "كومار" إنه ما زال يعمل على إخراج "بروفيجيوناتو" من موريتانيا، وأنه اقترح على "أباه" خلال آخر تواصل بينهما أن كليهما يبحث عن حل، وتواعدا موتمر "ميليبول – قطر" حيث التقيا أول مرة، لكن "أباه" لم يحضر.
وعلى أي حال المؤتمر كان نجاحا كبيرا لوولف، فقد ازدهرت أعمالها منذ أن اكتشف الباحثون في الأمن الرقمي أن الشركة الإسرائيلية " ان أس أو غروب" باعت أداة تستطيع اختراق أجهزة أي فون من خلال رسالة نصية.
كومار كان يتابع صفقات مع تايلاند وقطر، في ديسمبر، وقال إنه وقع عقدا بقيمة 500 ألف دولار مع الحكومة المصرية، بعد أشهر من المفاوضات.
أغلق ملف الصفقة بسرعة أكبر وظهر كومار شخصيا، ولأنه عبر عن خشيته من الملاحقة الأمنية الموريتانية له، قائلا " كانت لحظات سيئة ولكن على الشركة أن تكبر" مضيفا أن مصر دفعت له نصف المبلغ مباشرة وسيحصل على النصف الآخر حين يلتقي المعنيين مؤكدا باعتزاز أنه يوصل وحدة برامج ومشغلات تسمح للحكومة بشن "هجمة صامتة" على الهواتف المحمولة.
: تقرير من: بولين باكس في جوهانسبورع وغوين آكريمان في القدس
ترجمة الأخبار