صراع الهويّة في إفريقيا... التأرجح بين القبيلة والدولة

أحد, 02/12/2017 - 13:32

 

 

 

 

إذا كانت الهويَّةُ تمثِّلُ مركَّباً معقَّداً لشخصيَّة الإنسان؛ فإنَّ هذا المركَّب يتمُّ تشكُّلُه وتنميته عبر تضافُر مكوِّناتٍ متعدِّدةٍ في المحيط الاجتماعيِّ الذي ينشأ فيه الفرد.

 

وقد عرَّف الباحثُ دو (Deaux) الهويَّة تعريفاً مختصراً بأنَّها: «الأسلوب الذي به نعرفُ أنفُسَنا بدلالة عضويَّتنا في جماعةٍ معيَّنة» (1).

 

وعرَّفها تاجْفيلْ بأنَّها: «جزءٌ من مفهوم الفرد عن ذاته الذي يتغذَّى من إدراكه؛ كونَهُ عضواً في جماعةٍ اجتماعيَّة أو جماعات، وبما تمنحُهُ تلك العضويَّةُ من اعتباراتٍ قِيَميَّة ووجدانيَّة منسوبة لها» (2) .

 

ويرجع التَّطوُّر في أبحاث الهويَّة إلى العالِم الاجتماعيِّ «جيمْس مارسيا» الذي صنَّف الهويَّة إلى أربعة مستوياتٍ، هي:

 

1 - الهوية المشتَّتة.

 

2 - الهويَّة المغلّفة.

 

3 - الهويَّة المؤجَّلة.

 

4 - الهوية الـمُنْجَزة.

 

والفرد في تلك المستويات يترقَّى نفسيّاً واجتماعيّاً من هويَّةٍ أقلَّ نُموّاً إلى هويَّةٍ أكثر تقدُّماً، وهذا التَّطوُّر في هويَّة الفرد ضروريٌّ، وبتعبير الباحث هيكْسْ؛ فإنَّه بدون هويَّةٍ «تستحيل الحياةُ على البشر سيكولوجيّاً واجتماعيّاً» (3) .

 

وتُعدُّ فترة المراهقة في حياة الإنسان المرحلة الحاسمة والخصبة لهذا التَّطوُّر والتَّشكُّل في هويَّة الفرد، فالإنسان يولد بنصيبٍ من خصائص هويَّته، ثم تنمو وتتطوَّرُ عبر التَّاريخ الشَّخصيِّ طبقاً للخبرات الاجتماعيَّة التي يتعرَّض لها، وطبقاً لتحديدات اللُّغة والعادات والمعايير والقيَم التي يتعلَّمها من المنظومة الاجتماعيَّة المحيطة به.

 

وبما أنَّ الهويَّة الفرديَّة لا يتمُّ تحديدها بمعزلٍ عن الجماعة؛ فإنَّ ثمّة مفاهيم للهويَّة وعلاقتها بالجماعة موجودة، مثل الهويّة الجماعيَّة، والهويَّة الاجتماعيَّة.

 

أ - الهويَّة الجماعيَّة (Collective Identity): هناك هويَّة جماعيَّة بإزاء الهويَّة الفرديَّة، تنطلق عن عضويَّة الفرد داخل الجماعة، وتُعرف بأنَّها: «الشُّعور المشترك لدى جماعة بأنَّها تتقاسَمُ مصلحةً مشتركةً، ومصيراً موحَّداً»، ويشمل ذلك الجماعة داخل الدَّولة المشتركة، أو الدِّين، أو اللُّغة، أو الإثنيَّة. وقد يعلو هذا الشُّعور لدى الأفراد داخل المجموعة إلى درجة إمكانيَّة تضحية الأفراد بأرواحهم من أجل حماية أفرادٍ آخرين، أو مصالح المجموعة (4).

 

ب - الهويَّة الاجتماعيَّة (Social Identity): تُعرف الهويَّة الاجتماعيَّة بأنَّها: «جزءٌ من مفهوم الذَّات لدى الفرد، يُشتق من معرفته بعضويَّته في الجماعة، واكتسابه المعاني القيَميَّة والوجدانيَّة المتعلِّقة بهذه العضويَّة» (5) ، ويحصر الباحثون مجالات الهويَّة الاجتماعيَّة في أربعة، هي: (الصَّداقة، وإدراك الدَّور الجنسي، والعلاقة مع الجنس الآخر، والاستمتاع بوقت الفراغ).

 

كذلك؛ من المفاهيم المهمَّة المرتبطة بالهويَّة: مفهوم المجموعة الإثنيَّة (Ethnic Group)، ويُراد به: «مجموعةٌ من الأفراد الذين يتقاسَمُون الاعتقاد في الانتماء إلى  واحدٍ أو أكثر من الخصائص الآتية: الجنس، والدِّين، واللُّغة، والثَّقافة، والأرض» (6).

 

وأمَّا القَبَليَّة (ethnicity): فهي ولاء الفرد لمجموعته الإثنيَّة بوصف ذلك رمزاً لهويَّته، ولها مستوياتٌ متدرِّجة قد تصلُ إلى التَّعصُّب المفرط.

 

والتَّعصُّب، كما يعرِّفه الباحث طه، هو: «اتِّجاه نفسيٌّ لدى الفرد، يجعله يُدرك فرداً معيَّناً، أو جماعةً معيَّنةً، أو موضوعاً معيَّناً، إدراكاً إيجابيّاً محبّاً، أو سلبيّاً كارهاً، دون أن يكون لذلك ما يُبرِّرُهُ من المنطق أو الشَّواهد التَّجريبيَّة» (7) ، أو هو: «اتَّجاهٌ سلبيٌّ يتضمَّنُ مجموعةً من الأفكار والمعتقدات الثَّابتة حول الأشياء أو الأشخاص الآخرين؛ بحيث يُصدر أحكاماً ثابتةً ضدَّهم في جميع الظُّروف، ويتحدَّد الاتِّجاهُ السَّلبيُّ في الاتَّجاهات: الشَّخصيَّة، والدِّينيَّة والقوميَّة...» (8) .

 

إذن من أشكال التَّعصُّب: التَّعصُّب الدِّيني أو المذهبي، والتَّعصب الشَّخصي، والتَّعصب القومي. وهو يؤدِّي – حتماً - إلى تصنيف الفرد العالم إلى صِنْفَين: «أنا / نحن»؛ بمقابل «هم / الآخر»، ويكون «الأنا» دائماً هو المثاليُّ، ويؤدِّي ذلك إلى ما يُعرف على مستوى المجموعة بالصُّراع الإثنيِّ، وهو في تعريف براوْن: «النِّزاع حول القضايا السِّياسيَّة أو الاقتصاديَّة أو الاجتماعيَّة أو الثَّقافيَّة؛ بين مجموعَتَين اثنيَّتَين أو أكثر» (9) .

 

تلك بعض المفهومات – على سبيل الاستعراض العاجل - عن الهويَّة وتشكُّلها، وتأثير المجتمع في تطوُّرها، وعلاقتها بالتَّوافق والوئام داخل المجتمع أو علاقتها بالصِّراع.

 

 

 

أمثلة لصراع الهويات:

 

تُعدُّ متغيِّرات التَّمايز: (العرقي، والإثنيِّ، والدِّيني) من أهمِّ المتغيِّرات المسؤولة عن نشوب الحروب الأهليَّة بإفريقيا، وإنْ كان الباحثون يختلفون حول كوْنِ هذه المتغيِّرات أسباباً مباشرةً، أو ثانويَّة، أو وقوداً مغذِّياً مؤجِّجاً للصِّراعات.

 

ويُعرِّف الباحث هيكْسْ الصِّراعات القائمة على الهويَّة بأنَّها: «النِّزاعات الاجتماعيَّة (على مستوى الأفراد أو الجماعات)، القائمة على التَّمايزات الإثنيَّة، أو الثَّقافيَّة، أو الدِّينيَّة، أو الهويَّة الوطنيَّة» (10).

 

ومن خصائص الصِّراعات القائمة على الهويَّة شدَّة حماس المتنازعين، وطولُ أمَدِها؛ ذلك أنَّ كلَّ طرفٍ يتمسَّك بشدَّة برؤيته، ويرى التَّخلِّي عن أيِّ موقفٍ يمسّ مسّاً مباشراً بركائز وجوده.

 

من القواسم المشتركة أيضاً بين هذا النَّوع من الصِّراعات: أنَّها تُجتَلَب – حتْماً - في كلِّ صراعٍ، في مرحلة من مراحله، وإنْ كان السَّبب الرَّئيس للصِّراع سياسيّاً أو تنافساً محضاً على الموارد الطَّبيعيَّة، وسبب هذا الاجتلاب: استقطاب المناصرين، وعندما تُقحَمُ إحدى هذه المتغيِّرات: (الدِّين، اللُّغة، الإثنيَّة) في النِّزاع؛ فإنَّها قد تتضخَّمُ وتأخذ موضع الصِّدارة على السَّبب الرَّئيس، وتطغى عليه (11) .

 

بهذا الصَّدد؛ فإنَّ من الحروب الأهليَّة التي يمكن وصفُها بحروبٍ إثنيَّة – إلى أبعد الحدود - ممَّا عرفتها الشُّعوب الإفريقيَّة في تاريخها الحديث: (حرب كاتانغا) في كونغو الديمقراطيَّة (1960م - 1977م)، و (حرب بيافرا) الانفصاليَّة في نيجيريا (1967م - 1970م)، التي حصدت ما يربو عن مليون نفس، و (حرب الإبادة) برواندا (1994م)، وغير ذلك من الحروب المتكرِّرة بمنطقة البحيرات العظمى، وأنغولا، وتشاد، والسُّودان، وفي غرب إفريقيا: في ليبريا، وسيراليون (12) ، وكوت ديفوار، ومالي، وفي جمهوريَّة إفريقيا الوسطى... ويندر وجود دولةٍ إفريقيَّة لم تشهد نوعاً من الصِّراع المتلبِّس بصبغة الهويَّة، دينيَّةً كانت أم عرقيَّة.

 

هذا، ولا شكَّ أنَّ تلك الصِّراعات تعدُّ من أهمِّ معوِّقات التَّنمية والاندماج الوطني بإفريقيا الحديثة، وتكلّف الشُّعوب – قبل الحكومات - خسائر ماديَّة ومعنويَّة باهظة، ففي نيجيريا، على سبيل المثال، تجاوز عدد ضحايا الصِّدامات العرقيَّة والدِّينية (30000) فيما بين (1980م - 2002م)، بمعدَّل (1363) ضحيَّة كلَّ عام، وهذا يفوق عدد الألف الذي اشترط الباحثون أن يبلغه عدد ضحايا العنف الأهلي كلَّ عام؛ حتى يوصف بأنَّه: «حرب أهليَّة» (13). بل إنَّ وتيرة الخسائر البشريَّة قد تصاعدت في فترة (2002م - 2005م) بنيجيريا، وتجاوزت (10000) نفسٍ خلال ثلاث سنواتٍ فحسب (14)، وأصبح من الصَّعب مرور شهرٍ دون وقوع شيءٍ من تلك الصِّدامات الرُّوتينيَّة بتعبير الباحث (Dele Omotunde) حين قال: «لقد غدت الاضطرابات الدِّينيَّة روتيناً بنيجيريا: حرق البيوت، وتحطيم الممتلكات، وقتل الأبرياء.. كلّ ذلك أصبح أسلوبا مألوفاً للحياة الدِّينيَّة» (15)، وبتعبير الباحثَين: أُساغاهي وسبيرو، فإنَّ نيجيريا هي: «إحدى الدُّول الإفريقيَّة الأكثر تمزُّقاً بالنِّزاعات» (16).

 

والمعروف أنَّ بعض النِّزاعات الإفريقية ذاتُ جذورٍ تاريخيَّةٍ عميقة قبل الحضور الإمبرياليِّ، مثل: صراع التِّيغْري والأمْهَرا وأرومو بإثيوبيا، وصراعات شونا وانْديبيلي في زيمبابوي، ولكنَّ الاستعمار الإمبرياليَّ قد زايَد على تلك الصِّراعات، وجعلها ورقةً سياسيَّةً في مشروع التَّفريق وإحكام سيطرته على الشُّعوب والموارد (17)، كما أنَّ تلك الصِّراعات قد اتَّخذت مساراً إثنيّاً في عصر ما بعد الكولونياليَّة، ولم تكن كذلك في القديم.

 

 

 

الإمبرياليَّة وتفتيت القبائل وإثارة النَّزْعات القبَليَّة:

 

يعود الكثيرُ من صُور «أزمات الهويَّة» بإفريقيا الحديثة إلى أثر الاحتلال الإمبرياليِّ المباشر، ولعلَّ أبرز صُوَر ذلك، في مستوى علاقة الأفراد والمجموعات بالدَّولة الإفريقيَّة الحديثة، مفهوم الوطن والمواطنة، ويكمن ذلك في ضبابيَّة هذا المفهوم – أي الوطن - في الذِّهنيَّة الإفريقيَّة، وضعف ولاء الأفراد والمجموعات للدَّولة في مقابل ولائهم للقبيلة، كما سيأتي بيانه.

 

إنَّ هذه الظَّاهرة في علاقة المواطن الإفريقيِّ بالوطنيَّة ترجع إلى ظروف نشأة الدَّولة القُطريَّة الإفريقيَّة الحديثة، والدور الإمبرياليِّ المباشر في ذلك، يُضاف إلى هذا طبيعة سياسة الدَّولة العاجزة عن استقطاب التَّمايُزات الإثنيَّة في كيانٍ موحَّد مُتَنَاغم.

 

توضيحاً لما سبق؛ فإنَّ المعروف أنَّ تقسيم القارَّة إلى دُوَلٍ قد تمَّ في مؤتمر برلين (1885م)؛ بحسب مناطق نفوذ الإمبرياليِّين وحدَهُم، ووُضِعَتْ أسماء مُسْتَوْرَة لها، وأنْشِئَتْ – في بعض الأحيان - عواصم جديدةٌ وحكومات، كلُّ ذلك دون اعتبارٍ للمجموعات الإثنيَّة التي أريد لها أن تعيش داخل تلك الحدود المصطَنَعة لها (18)، وبتعبير لوردْ سَالْسْبوري - شبه السَّاخر -: «لطالما ظللنا نَقْتَسمُ الجبال والبحار فيما بيننا، دون أن ندري تماماً مواقع تلك الجبال والبحار» (19) .

 

بطبيعة الحال؛ فإنَّ هذا التَّقسيم العشوائيَّ، الذي لم يأخذ في الاعتبار إلاَّ مصلحة الإمبرياليِّين وحدهم، قد كان من أهدافه المباشرة تكريس سياسة التَّمزيق والتَّفتيت بالقارة؛ حيث عمدت إلى إجبار مجموعاتٍ إثنيَّة على العيش ضمن إطارٍ جغرافيٍّ محدَّد، دون اكتراثٍ بالماضي التَّاريخيِّ الذي جمع بين تلك القبائل، ويتفاقَمُ الأمرُ حين تشْعُرُ بعض القبائل بأنَّها قد اجتُثَّتْ من مواقعها التَّاريخيَّة إلى مواقع جديدةٍ.

 

على سبيل المثال؛ فإنَّ مجموعات (ماندينغْ)، التي عاشتْ – من قبلُ - في ظلِّ إمبراطوريَّة مالي القديمة، قد وجدتْ نفسها مشتَّتة عشيَّة تقسيم غرب إفريقيا بين جميع تلك الدُّول تقريباً، وتمَّ كذلك تقسيم بلاد (هَوْسا Bakwai Hausa) بين نيجيريا والنِّيجر (20) ، ومثل ذلك في حال مجموعات (الطَّوارق) المُفتَّتة بين: ليبيا، والجزائر، ومالي، والنِّيجر، وبوركينافاسو. وكذلك (مملكة كونغو) القديمة التي فُتِّتَت إلى قِسْمَين كبيرَين: كونْغو الدِّيمقراطيَّة، وكونْغو برازفيل.

 

وكان الوضع في الجنوب الإفريقيِّ مماثلاً؛ إذ يندر وجود مجموعةٍ إثنيَّة لم تشملها سياسةُ التَّفتيت، منها مجموعات (باسوتو) التي مُزِّقتْ بين ليسوتو وبين جمهوريَّة جنوب إفريقيا، ومنها مجموعات (تشوانا Tswana) في بوتْسوانا، وفي عددٍ من الدُّول المجاورة.

 

حتَّى بعد هذا التَّفتيت للقارة؛ فإنَّ الإدارة الإمبرياليَّة قد عمدت إلى كلِّ دولةٍ – على حدَة - فقامت بتفتيتها داخليّاً، وتقسيمها إلى مناطق إثنيَّة؛ إيغالاً في التَّفريق والتَّمزيق، وقد ذهب الباحث أوباري (Uebari) إلى وصف هذا الوضع بنيجيريا - مثلاً - بأنَّه: «قد أدَّى إلى تفكيك الدَّولة، وتحطيمها، وليس بنائها وتأسيسها» (21).

 

 بالإضافة إلى هذا التَّقسيم العشوائي الذي تمَّ طبْقاً لمناطق نفوذ الإمبرياليِّين، وما نتج عنه من تفتيتٍ اجتماعيٍّ ثقافيٍّ للنَّسيج البشري، فإنَّ شكل الدَّولة الإفريقيَّة الحديثة يكشف عن نشازٍ هندسيٍّ وجغرافيٍّ واضح؛ إذ نجد أطراف دَوْلة داخلةً دخولاً فاحشاً في دولة أخرى، ونجد نتوءاتٍ وأغواراً كثيرة في خريطة الدَّولة الإفريقيَّة (22)، بل إنَّ بعض الدُّول – وبخاصَّة المصغَّرة - مثل ليسوتو وسوازيلاند وغامْبيا، هي من قَبيل: «دولة داخل دولة»، ولا شكَّ أنَّ عدم التَّجانُس والتَّوازُن النِّسبيِّ في خريطة الدَّولة الإفريقيَّة يمثِّل وقوداً نشطاً للكثير من الاضطرابات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة، وعدم شعور المواطنين بالانتماء الحقيقيِّ إلى الدَّولة التي قيل لهم إنَّهم مواطنون فيها.

 

هذا، وغنيٌّ عن القول: إنَّ هذا التَّرسيم المتعسِّف للدَّولة الإفريقيَّة، وتفتيت المجموعة الإثنيَّة الواحدة بين أكثر من دولةٍ، قد أدَّى ببعض تلك المجموعات إلى كونها أقليَّةً في دولةٍ، وأكثريَّة في دولةٍ أخرى، ومن تبعات ذلك تدخُّلُ الأكثريَّة لصالح الأقليَّة في البلد الآخر، وبذلك فإنَّ بعض النِّزاعات الدَّاخليَّة ضيِّقة النِّطاق سرعان ما تأخذ بُعداً إقليميّاً، ويتعذَّر تطويقها (نزاعات البحيرات العظمى مثلاً).

 

أخيراً؛ فإنَّ الأفراد والمجموعات تحت هذا الوضع يعانون تشتُّت الهويَّة، خصوصاً إذا كانت الدَّولة التي وُجد فيها الفردُ نفسه تُعَامِلُهُ بوصفه مواطناً من الدَّرجة الثَّانية؛ بينما يُعامَلُ في الجهة الأخرى معاملةً أكثر احتراماً.

 

 

 

الإمبرياليَّة والكنيسة وتأجيج صراع الهويَّة الدِّينية في إفريقيا:

 

على الرُّغم من أنَّ النِّزاعات الأهليَّة والفُرقة الوطنيَّة بإفريقيا لا تستجيب لمتغيِّرٍ واحدٍ؛ فإنَّ الدَّور الكَنَسيَّ في إحداث تلك النِّزاعات، وفي تعميق الهوّة بين الإثنيَّات، له أثرٌ ملموسٌ في أكثر من بلدٍ إفريقيٍّ، على امتداد التَّاريخ الإفريقيِّ الحديث منذ الحضور الإمبرياليِّ.

 

ويمكن رصد ذلك في عدَّة حقائق ووقائع:

 

أ - الكنيسة حليفاً للإمبرياليَّة: إنَّ دور الكنيسة السلبيَّ في الوحدة الوطنيَّة يمكن إرجاعه إلى الحضور الكَنَسيِّ الأوَّل بإفريقيا، بوصف الكنيسة رديفاً للمحتلِّ الإمبريالي، وكونها جهازاً من الأجهزة الفعَّالة في تحقيق مآرب الإمبرياليِّين، وقد حدَثَ ذلك بتوافُقٍ تامٍّ بين الاثنين، لا على حين غفلةٍ من الكنيسة.

 

يؤكِّد الباحث كراوْديرْ هذه الحقيقة في حقِّ الكنيسة بقوله: «إنَّ المبشِّرين الأوائل بغرب إفريقيا كانت لهم مهمَّةٌ مُزْدَوَجة: التَّرويج للتِّجارة بين إفريقيا وأوروبا، وتحويل الأفارقة إلى المسيحيَّة» (23) .

 

كذلك يؤكِّد المؤرِّخ ولترْ رودني هذه الحقيقة قائلاً: «إنَّ المبشِّرين المسيحيِّين كانوا جزءاً مهمّاً للقوَّات الكولونياليَّة، مثل المستكشفين، والتُّجار، والجنود.. لقد كانوا أداةً للكولونياليَّة في جانبها العمليِّ، سواء اعتَبروا أنفسَهُم كذلك أم لا»(24) .

 

وبتعبيرٍ طريفٍ يصف الباحث عيمانْويلْ الكنيسة بأنها: «spiritual wing of secular Imperialism = الجناح الرُّوحي للإمبرياليَّة العلمانيَّة» (25).

 

وبتعبير المفكِّر الدِّيني امْبيتي؛ فإنَّ «الصُّورة التي اختزنها الأفارقة عن المسيحيَّة، وما زالوا يحتفظون بها لأبعد الحدود، كونها مُصطبغةً بشدَّة بالحكم الكولونياليِّ، وبكلِّ ما في الكولونياليَّة. إنَّنا ما زلنا أكثر قرباً من تلك الفترة التي يتعذَّر علينا فيها التَّفريق بين الاثنين» (26) .

 

أمَّا الشَّواهد والوقائع التَّاريخيَّة على كون الكنيسة رديفاً حقّاً للإمبرياليَّة فهي كثيرةٌ، فقد ساندَتْ الكنيسة العالميَّة تجارةَ الرَّقيق عبر الأطلسيِّ، ووفَّرت للأوروبيِّين السَّند الرُّوحيَّ لهذه التِّجارة (27)، وفي فترة نظام التَّمييز العنصريِّ بجنوب إفريقيا؛ فإنَّ كنيسة (Dutch Reformed Church, DRC) هي التي كانت تمدُّ نظام «الأبارْتَهايدْ» بالتَّبرير الدِّينيِّ لأفعاله، وذلك بناءً على عقيدة «Calvinism» التي تزعم بأنَّ النَّاس يتفاضلون في الأصل البشريِّ، وأنَّ منهم ناجين سُعداء بداءةً، ومنهم أشقياء هالكين كذلك، وأنَّ البيض يمثِّلون الفئة النَّاجية!

 

ب - الكنيسة وسياسة التَّفريق الإمبريالي: المعروف أنَّ من سياسات الإمبرياليَّة الاستراتيجيَّة سياسة «فرِّقْ تَسُدْ!»، ومن توظيفات ذلك قيام الإمبريالي والباحثين وعلماء السُّلالات بالتَّرويج لنظريَّة: (الفرضيَّة الحامية Hamitic Hypothesis)، أي الأصل الحامي لبعض المجموعات الإفريقيَّة، وبموجبها تمَّ تصنيف المجموعات الإفريقيَّة إلى: حامية وبانْتُوِيَّة، والادِّعاء بأنَّ المجموعات ذوات الأصول الحاميَّة هي أذكى وأعلى قدراً من ذوات الأصول البانْتُويَّة (28).

 

تلقَّفت الكنيسة هذا الطَّرح، واتَّفق القساوسةُ مع الإمبرياليِّين لتطبيق هذه الفرضيَّة بالمجتمع الرُّوانديِّ، فزعموا أنَّ الأقليَّة التُّوتسي (15%)، هي من الأصل الحاميِّ، وأنَّهم «قادة بالأصالة»، وأنَّ لها الأولويَّة في التَّعليم والوظائف الإداريَّة وتقلُّد سدَّة الحكم، وقاموا بوضع مشروعٍ عُرِف بمشروع: «التَّوازن القبلي والإقليمي» في مدارس الإرساليَّات الكاثوليكيَّة (29)، فحدَّدوا نِسَب قبول الأكثريَّة الهوتو (84%) بالمدارس الكَنَسيَّة بـ (4%) فقط (30).

 

ومن مشاهير رجالات الكنيسة المرتبطة أسماؤهم بالسِّياسة الإمبرياليَّة بمنطقة البُحيرات العظمى: الأب كلاسْ Mgr Classe، والأب مورتيهانْ Mgr Mortehan، والكاردينال لافيجيري Cardinal Lavigerie، وأكَّد أحدُهم في مذكِّرةٍ له بأنَّ تبنِّي هذا الطَّرح الزَّائف كان في صالح التَّبشير؛ لذلك أخذوا به، وروَّجوا له ووظَّفوه (31).

 

ج - الكنيسة والتَّمركُز الإثني: إنَّ ظاهرة التَّعصُّب القبَلي موجودةٌ أيضاً في الكنائس، يمكن تلمُّسها في عدَّة صُوَر، أبرزها التَّنظيم الهيكلي للمؤسَّسات الكنسيَّة، فهي مثل الوظائف الحكوميَّة، تخضع للولاءات الإثنيَّة. يؤكِّدُ الباحث واروتا ذلك بقوله: «إنَّ معظم الجماعات والطَّوائف الكنسيَّة، حين نتأمَّلها عن قُرب، نجدها عرقيَّة في تكوينها وفي قياداتها، وحتى تلك التي يُصادَف أن تكون متعدِّدة الإثنيَّات في إطارٍ وطنيٍّ، فإنَّها موبوءةٌ بخلافاتٍ داخليَّة بين الإثنيَّات» (32).

 

وجهٌ آخر من التَّعصُّب القبَليِّ في الكنائس الإفريقيَّة أشار إليها واروتا، وهو يرتبط بالتَّنصير المستَهْدَف الـمُنَمذَج، أي توجيه الجهاز التَّنصيريِّ - في فترةٍ من الفترات - نحو مجموعةٍ إثنيَّة معيَّنة من أجل أن تقوم –فيما بعد - بمهمَّة التَّكافؤ، أو بالأحرى مهمَّة النِّديَّة في وجه مجموعاتٍ إثنيَّة أخرى، وبخاصَّة مجموعاتٍ دينيَّة مختلفة، وكثيراً ما تُختار المجموعات الإثنيَّة ذات الأقليَّة في هذا التَّنصير المستَهْدَف (33).

 

ونتيجةً لهذا التَّنافس الإثنيِّ داخل المؤسَّسة الكنسيَّة؛ فإنَّ كلَّ مجموعةٍ إثنيَّة تَنْزع إلى اتِّخاذ قادتها، وتأسيس كنائسها، وأحياناً يُبرَّر هذا الإجراء باعتباراتٍ لغويَّة وثقافيَّة، ولكنَّ الحقيقة أنَّ ذلك ناشئٌ عن منافسة إثنيَّة بين أتباع المسيحيَّة (34).

 

د - مشاركة مباشرة في النِّزاعات الدَّامية: بالإضافة إلى ما سبق، من إسهامٍ للكنيسة في سياسات التَّفريق  وتأجيج التَّعصُّب الإثنيِّ في المجتمعات الإفريقيَّة، فإنَّها قد كانت طرفاً مباشراً في حالاتٍ من النِّزاعات الدَّاميَّة في رواندا، وفي نيجيريا، وساحل العاج، ففي رواندا كانت الكنيسة الكاثوليكيَّة – بشكلٍ أساسيٍّ - ذات علاقةٍ مباشرةٍ في حرب الإبادة التي أوْدَتْ بأرواح حوالي مليون ضحيَّة في حوالي مائة يوم فحسب!

 

ومن أبشع نماذج القساوسة الهوتو الذين قتَلوا المئات والآلاف من أتباعهم:

 

- الأب Athanase Seromba، راعي كنيسة (Nyange) الكاثوليكيَّة، وهو الذي أغرى أتباعه على التَّجمُّع في كنيسته، وقام بنزع أسلحتهم، ثم خطَّط مع الميليشيَّات لقتلهم، بل أمر باستعمال الجرافات لطمر الكنيسة على اللاَّجئين، وقتل منهم ما بين (2000) إلى (2500) بردم البناية عليهم، ورمي القنابل اليدويَّة بينهم (35) .

 

- الأب Elizaphan Ntakirutimana، في كنيسة السَّبتيِّين؛ الذي أعان على قتل حوالي (8000) من اللاَّجئين بكنيسته بمدينة (Mungonero).

 

- الأسقف Aaron Ruhumuliza، رئيس الكنيسة الميثوديَّة (Free Methodists) في كيغالي.

 

- الأب Samuel Musabyimana.

 

- الأب ميشال Michel Twagiryesu، رئيس الكنيسة الإنجيليَّة المشيخيَّة (Presbyterian) في رواندا، وكان نائباً لرئيس المجلس العالمي للكنائس.

 

- الأب Elizaphan Ntakirutimana، رئيس كنيسة السَّبتيِّين (Seventh Day Adventist).

 

فجميعُ هؤلاء من رؤساء الكنائس في رواندا، ومن رجالات المسيحيَّة العالميَّة سلَّموا أتباعهم من التُّوتسي إلى الميليشيّاًت والجنود القتلة (36).

 

ومن الإنصاف الإشارةُ إلى بعض الآباء الذين حَمَوا اللاَّجئين، وحافظوا على الأرواح (37) ، منهم:

 

- الأب Celestin Hakizimana، بكيغالي، وقد حمى حوالي ألفي لاجئ بكنيسته.

 

- الأب Bosco Munyaneza.

 

- الرَّاهبة Felicitee Niyitegeka.

 

وجميع أولئك قد قُتِلوا في كنائسهم مع اللاجئين، وكان باستطاعتهم النَّجاة بأنفسهم؛ لكنَّهم رفضوا عروض الخروج وخذلان الجماعات المحتمية بكنائسهم (38) .

 

بالإجمال؛ فإنَّ الكنسية كانت طرفاً مباشراً في تأجيج روح الفُرقة، وفي تعميق الصِّراعات بين المجموعات الإثنيَّة، وانسحب ذلك على امتداد الوجود الإمبرياليِّ بالقارَّة.

 

كما شمل المنصِّرين البيض، وخلفاءهم من المنصِّرين الأفارقة، فكما لم يختلف الزُّعماء السِّياسيُّون الأفارقة عن سَلَفهم الإمبرياليِّين، فإنَّ القساوسة الأفارقة لم يختلفوا عن سَلَفهم (الآباء البيض).

 

 

 

الهوية بين القبيلة والوطن:

 

عند محاولة النَّظر في مفهوم: (الهويَّة القبليَّة، والهويَّة الوطنيَّة) لدى الفرد الإفريقيِّ، فلا بدَّ من الرُّجوع إلى بنية الرُّؤية الإفريقيَّة نفسها عن علاقة الفرد بالمجموعة التي ينتمي إليها، إنَّ هذا الرُّجوع هو الذي يضمن إيجاد علاقة توافُقٍ بين جانِبَيْ الهويَّة القبَليَّة والهويَّة الوطنيَّة.

 

بهذا الصَّدد؛ نجد أنّ ثمَّ خطأً جسيماً قد وقع فيها دُعاةُ «الاندماج الوطني» في الدُّول الإفريقيَّة عشيَّة استقلالها وتأسيس حكوماتها الأولى، ألا وهو رفع شعار «إزالة القبليَّة» (de-tribalization)، في أكثر من دولةٍ إفريقيَّة.

 

إنَّ هذا الشِّعار يتنكَّرُ لركيزةٍ أساسيَّة في رؤية العالَم عند الإفريقيّ تُعرف بـ «رؤيا الجماعيَّة» (Ubuntu / Communalism)، وبموجبها لا يُتَصوَّرُ وجود الفرد إلا في إطار المجموعة.

 

وقد كان الأحرى بالدَّعوات الوطنيَّة، وبشعارات الاندماج الوطني، الانطلاق من هذه الرَّكيزة وتعزيزها، ومِنْ ثَمَّ وضعها في الإطار الوطنيِّ الموسَّع.

 

ولا شكَّ أنَّ إخفاق دعوات الاندماج الوطني مردُّها إلى أنَّها لم تنطلق من الواقع الإفريقيِّ نفسه، وإنَّما من رؤًى إمبرياليَّة غريبة؛ لذلك لم تُنتج تلك السِّياساتُ الاندماجيَّة إلاَّ أفراداً سلبيِّين مُنبتِّين عن أصولهم، غير واصلين إلى النَّموذج الغربي للاندماج الوطنيّ، والولاء للدَّولة كما ينبغي.

 

عليه؛ فإنَّ من مظاهر هذا الخطأ في سياسات دعاة الاندماج الوطني غياب الشُّعور المشترك بين المجموعات العرقيَّة بالانتماء إلى كيانٍ سياسيٍّ موحَّد، خصوصاً عندما تكون تلك المجموعات موزَّعةً على أكثر من دولة، وقد يكون انتماءُ بعض أولئك إلى الدَّولة الأخرى أقوى من انتمائها إلى الدَّولة التي تُعدُّ هي مواطنةً فيها، وذلك نتيجةٌ منطقيَّة؛ لأنَّ الرَّابطة العرقيَّة تتَّسمُ بالثَّبات أكثر من الرَّابطة الوطنيَّة، خصوصاً في سياق الدَّول الإفريقيَّة التي تشهد تحوُّلاتٍ سياسيَّة متعاقبة.

 

أمرٌ آخر يؤدِّي إلى إضعاف علاقة المواطن الإفريقيِّ بدولته، وهو أنَّ الدَّولة نفسها تسير –عادةً - في تعزيز الكراهيَّة، وتكريس دواعي الانقسام بين الشَّعب؛ حذواً بحذْو بالقوى الإمبرياليَّة، من صُوَر ذلك: أنَّ الحكومات الخليفة للإمبرياليَّة تتبنَّى سياساتٍ تقسميَّة، حتى في الظُّروف العاديَّة، وأقرب مثالٍ على ذلك: أنَّ البطاقات الشَّخصيَّة الوطنيَّة في بعض الدُّول الإفريقيَّة لا تزال يُشارُ فيها إلى الفئة الإثنيَّة للمواطنين، دون أن يكون لهذا التَّحديد أثرٌ معيَّنٌ في التَّنظيم الإداريِّ، والأدهى من ذلك أن يتمَّ التَّعامُلُ مع الأفراد من لدُن الشُّرطة، أو غيرهم من موظَّفي الدَّولة، والقبول في الوظائف، والحصول على الخدمات الإداريَّة.. وغير ذلك (39)، بناءً على هذا التَّحديد.

 

منها أيضاً: تقسم الدَّولة إداريّاً إلى مناطق وولاياتٍ بناءً على التَّوزيع الإثنيِّ، وما يعُجُّ به الإعلام من إشارةٍ إلى «الشَّمال المسلم» و «الجنوب المسيحيِّ» في حال نيجيريا، وساحل العاج، وغانا... وكلُّ ذلك يكرِّس النَّزعة القبَليَّة والصِّراعات الدِّينيَّة في المجتمع.

 

 

 

الواقع الجديد في «ما بعد الاستعمار»:

 

بصرف النَّظر عمَّا بين الباحثين من جدَلٍ حول وجود واقعٍ يمكن تسميته: «ما بعد الاستعمار»؛ فإنَّ  المتَّفق عليه أنَّ واقع الدُّول الإفريقيَّة هو دون المأمول الذي كانت تطمح إليه الشُّعوب التي ناضلَتْ بكلِّ ما أوتيتْ من قوَّة؛ من أجل تحقيق الاستقلال وإزالة الإمبرياليَّة.

 

بل إنَّ الدَّولة الحديثة، التي تمخَّض عنها الاستعمار في معظم المناطق الإفريقيَّة، هي دون الكيانات الإفريقيَّة القديمة في مجال الحكم والسِّياسة، والحفاظ على التَّنوُّع الإثني داخل كيانٍ سياسيٍّ موحَّد دون اللُّجوء إلى الوسائل القمعيَّة الاحتوائيَّة؛ إذْ قد وُجِدَتْ أنظمةٌ سياسيَّةٌ جدُّ منظَّمة بحسب المعايير آنذاك، منها: مملكة بوغندا في الشَّرق، وإمبراطوريَّة مالي، وصونْغاي في الغرب، ودولة الخلافة الصُّكتيَّة بالسُّودان الأوسط (شمال نيجيريا الحاليَّة)، ويذهب الباحث نويو إلى أنَّ تلك الكيانات المتأخِّرة - من هذا النَّوع - لو لم يجهضها الإمبرياليُّ لتطوَّرت إلى نظام الدَّولة الحديثة (40).

 

وفي هذا الإطار كان الكفاح عشيَّة استقلال الدُّول الإفريقيَّة يتلخَّصُ في مسارَين: «إعادة الأفْرَقَة» (re-Africanization)، أو «إزالة الكولونياليَّة» (decolonisation)، وكلاهما كان – في الواقع - ينتهي إلى نتيجةٍ واحدة  (41).

 

وإذا كانت إفريقيا الحديثة نتاج واقعٍ مفروضٍ؛ فإنَّ محاولة العودة إلى الخبرات والحقائق الإفريقيَّة القديمة، من أجل بناء الدَّولة الإفريقيَّة الحديثة، تعدُّ محاولةً مجازفةً إلى أبْعَد الحدود، توشك أن تزجَّ بإفريقيا في خندقٍ أعمَقَ ممَّا هي فيه الآن.

 

كذلك؛ فإنَّ شعار «إفريقيا الموحَّدة»، وإلغاء الحدود المصطنعة، سوف يظلُّ شعاراً طوباويّاً إلى أجلٍ غير مُسمَّى.

 

بناءً على كلِّ تلك الاعتبارات؛ فليس في وُسع القارَّة إلاَّ المراهنة على الواقع، وذلك في العمل من أجل تقليص الآثار السِّلبيَّة للإمبرياليَّة التي خصَّبتْ الكثير من عوامل التَّخلُّف بالقارة، وبنجاح هذا العمل في تقليص الآثار السِّلبيَّة للإمبرياليَّة؛ فإنَّ الأجيال القادمة قد تجد أمامها فُرَصاً عدَّة في العلاج الجذريِّ لآثار الإمبرياليَّة، وتحديَّات نشأة الدَّولة الإفريقيَّة نشأةً غير طبيعيَّة.

 

ولعلَّ أبرز المجالات التي يمكن الاستثمار فيها من أجل تصحيح الواقع الإفريقيِّ يكمُنُ في الآتي:

 

أ - الهويَّة والتَّغريب الثَّقافي والفكري: قد لا يختلف اثنان على أنَّ الشَّخصيَّة الإفريقيَّة تعاني ازدواجيَّةً حادَّة، وأزمةً شديدةَ الوطأة في هويَّتها؛ من جراء سياسة التَّغريب الإمبرياليَّة، فالمعروف أنَّ «الثَّقافة التي تشهد تصارُعاً تؤثِّرُ كثيراً في ضعف تكوين الهويَّة» (42) ، وقد زاد الطِّينُ بِلَّةً بتبنِّي السِّياسات الإفريقيَّة لسياسة الغرب بحذافيرها في التَّربية والإعلام، وغيرها من المجالات المسؤولة عن تشكيل الهويَّة.

 

ب - وضع مفهوم (الإثنيَّة / القبَليَّة) في إطاره الصَّحيح: إذا كان لبعض الباحثين اعتراضٌ على مصطلح «قبيلة tribe» جملةً وتفصيلاً في السِّياق الإفريقيِّ (43)؛ فإنَّ لهم بعض الحقِّ في ذلك، خصوصاً في المفهوم الذي استقرَّ في الأذهان عن «القبَليَّة» بإفريقيا، وكما يصرِّح به الباحثُ أبْتوربْ؛ فإنَّ النِّظام الكولونيالي قد خلق القبائل على النَّحو الذي نتصوَّره اليوم (44) . عليه؛ فإنَّ تصحيح الأفهام، عن هذا المفهوم، سوف يُسهم في الحدِّ من حدَّة الفهم المغلوط عن هذه الظَّاهرة الاجتماعيَّة.

 

ج - النموذج الغربيُّ في الحكم نموذجٌ تجريبيٌّ: من أكبر إشكالات «ما بعد الاستعمار»، استنساخ إفريقيا للتَّجربة الغربيَّة في الحكم والسِّياسة إلى الواقع الإفريقيِّ؛ دون اكتراثٍ بمدى ملاءمة تلك التَّجربة لإفريقيا، والصَّحيح اعتبار (النموذج الغربيِّ) مرحلةً تجريبيَّة خاضعة لمعايير الصواب والخطأ، نتخطَّاها إلى ما هو أكثر انسجاماً بإفريقيا، والحال أنَّ الإمبرياليَّ: «لم يُخلِّف وراءه خليطاً منوَّعاً من دُوَلٍ مستقلَّة عديدة فحسْب، بل إنَّ الدُّول التي تمخَّضتْ عنها تلك العمليَّة كانت هي ذاتها كياناتٍ مُصطنَعَة، فلم تكن قد بلغتْ بعدُ مرحلة الدَّولة القوميَّة بأيِّ حالٍ من الأحوال، بل كانت بمثابة غلاف استقلالٍ إقليميٍّ، أوْدَعَتْه حركات الاستقلال نواة الذَّاتيَّة الوطنيَّة» (45) .

 

 

 

الهويَّة الوطنيَّة والقبَليَّة: تكامُلٌ، لا تنازع:

 

على الرُّغم ممَّا أحدثَتْهُ ظروف تفتيت القارَّة من أوضاعٍ اجتماعيَّة، وظروف سياسيَّة حادَّة، وارتفاعٍ لحدَّة النَّزْعات القوميَّة بالقارة، فإنَّ ثمَّة مواطن من التَّلاقي والتَّلاقُح ممكنةٌ بين الهويَّة القبَليَّة وبين الهويَّة الوطنيَّة، يمكن استثمارها في مشروعات بناء الدَّولة الإفريقيَّة، وتحقيق استقرارها، وهي:

 

أ - إشكالٌ في التَّعامُل مع التَّعدُّد وليس في التَّعدُّد ذاته: يرى باحثون أنَّ تنوُّعات الهويَّة الإفريقيَّة في الدّين واللُّغة والثَّقافة إنَّما هي مصدرُ قوَّةٍ، ومرتكزٌ لتحقيق التَّنمية والاستقرار. غير أنَّ الإشكال يكمن في الإخفاق في استغلال تلك التَّنوُّعات، فالدُّول الأوروبيَّة (فرنسا مثلاً) ليست بأقلَّ تنوُّعاً في اللُّغات والإثنيَّات من بعض المناطق الإفريقيَّة. ثم إنَّ ما يُذكر عن التَّنوُّع الكبير بإفريقيا مبالَغٌ فيه، أو هو معروضٌ بشكلٍ مغلوطٍ، فإذا كانت بإفريقيا مثلاً أكثر من (2000) لغة، أي أنَّ حوالي (30%) من لغات العالم موجودة بإفريقيا (46) ؛ فإنَّ خَمْس لغاتٍ فقط بغرب إفريقيا (هوسا، ويوربا، وفولاني، وإيبو، ومادينغ) يمثِّل متحدِّثوها (80%) من إجماليِّ متحدِّثي لغات المنطقة. مثال آخر في نيجيريا؛ إذْ توجد بها ما بين (400 - 500) إثنيَّة لغويَّة؛ لكنَّ اللُّغات الثَّلاث الكبرى بها: (هوسا، ويوربا، وإيبو) تمثِّل نسبة (65%) من عدد اللُّغات بنيجيريا (47).

 

وكما يؤكِّده يونغْ؛ فإنَّ الإشكال في «الظَّرف التاريخي» الذي أنشأه الكولونياليِّ، وإخفاق السِّياسات الإفريقيَّة في التَّعامل مع تلك الظُّروف، وليس في الاختلافات الإثنيَّة نفسها، ويرى مثلاً أنْ لو اختلفت الظُّروف التَّاريخيَّة لما كانت علاقة هوتو بتوتسي، أو علاقة إثنيَّة هيما بإثنيَّة لينْدو (Hema, Lendu) في الكونغو، على ما هي عليه اليوم من العداء (48) .

 

ب - النَّزْعة القَبَليَّة ليستْ قوَّة هدَّامة: إذا كان بعض الباحثين يرون القَبَليَّة قوَّةً سلبيَّةً هدَّامة؛ فإنَّ آخرين يرونها على خلاف ذلك (49)، وكما يصرِّح به الباحثان: محمود مندلي و وامْبا؛ فإنَّ القبليَّة في المجتمع الحديث ليست مصدر شرٍّ، ولكنَّها مصدر قوَّة مدنيَّة، وإنَّما الخطأ في طريقة توظيف القبليَّة (50). ثمَّ إنَّ نزعة الانتماء إلى مجموعةٍ اجتماعيَّة تعدُّ لازمةً اجتماعيَّة في تكامُل شخصيَّة الفرد – كما سبق بيانُه في مستهلِّ هذا المقال -، فمن الضَّروريِّ إذنْ: اتِّخاذُها منطلقاً أساسيّاً من أجل تنظيم المجتمع واستقطابه في بناء الدَّولة وتنمية المجتمع، فهناك الكثير من الأفراد يمكن – فقط - استقطابُهم وانتزاع ولائهم المطلق عبر الوسائط الضَّيِّقة من الانتماء القبَلي، أو غير ذلك من المجموعات الاجتماعيَّة.

 

ج - فهمٌ مغلوطٌ للعلاقة بين الهويَّة الوطنيَّة والهويَّة القَبَليَّة: من الخطأ توهُّم تعارض بين الهويَّة الإثنيَّة والهويَّة الوطنيَّة الحديثة، فالهويَّة الإثنيَّة تُعتبر دائرةً صغرى داخل الدَّائرة الوطنيَّة الكبرى، وبينهما علاقة تضمُّن، فلا وجود لهويَّة وطنيَّة بدون هويَّة قبَليَّة، وبتعبير الباحث إيْلايْغوُو (Elaigwu): فإنَّ بناء الدَّولة والولاء للوطن لا يعني «تحويل الولاء» من الدَّائرة الصُّغرى للقبيلة إلى الدَّائرة السِّياسيَّة الكبرى للدَّولة، وإنَّما يعني: «تعميق الولاء والانتماء» وتوسيع أبعاد الهويَّة؛ لتشمل وحداتٍ كبيرة مثل الدَّولة (51).

 

نخلص من كلِّ ذلك إلى: أنَّ الإشكال ليس في التَّنوُّع الإثنيِّ، وإنَّما في مدى كفاءة الحكومات الإفريقيَّة في بناء دولةٍ قائمة على بنيةٍ تحتيَّة سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة مغريةٍ للمواطنين، ويشمل ذلك كلَّ محدِّدات الدَّولة الحديثة، من طُرقٍ معبَّدة، وتوفير للمياه العذْبة، والطَّاقة، والمرافق الصِّحيَّة، والتَّعليم، وفُرَص التَّوظيف المتكافئ، وغيرها من المظاهر الإنمائيَّة الماديَّة والمعنويَّة. فلا يمكن انتزاع ولاءِ الأفرادِ للدَّولة بمفهومها المجرَّد إلاَّ إذا كانت هناك بيئةٌ صالحةٌ ماثلةٌ مترجمةٌ في أرض الواقع، من احترام الحريَّات، وتوفير وسائل العيش والرَّفاهيَّة، فحينئذٍ يمكن أن يميل الأفرادُ إلى حبِّ تلك المظاهر، والعمل على حمايتها، والشُّعور بالمصير المشترك.

 

إلى جانب ذلك؛ فإنَّ هناك ملاحظاتٍ كثيرةٍ حول الإثنيَّة أو الهويَّة الاجتماعيَّة تُغري على النَّظر الإيجابيِّ لها، فقد لُوحِظَ مثلاً أنَّ النِّزاعات الإفريقيَّة تميل إلى كونها «نزاعاتٍ على مواطن النُّفوذ»، أكثر منها نزاعاتٍ حول تأكيد الهويَّة الإثنيَّة، مما يدلُّ على ضعف المحدِّد الإثنيِّ أو الدِّينيِّ أو اللُّغويِّ في إحداث الاضطرابات.

 

أيضاً؛ فإنَّ الإثنيَّة أو الهويَّة الاجتماعيَّة تقوم بمهمَّة المراقبة والتَّوازن في إطار الجهاز الوطنيِّ الموسَّع؛ إذ تقوم بالمطالبة بالعدالة الاجتماعيَّة، وتلفت الأنظار إلى حقوق الأقليَّات، وإلى توزيع موارد الدَّولة توزيعاً منصفاً، والتَّمثيل الحكوميِّ لأفرادها، وغير ذلك من المجالات التي تضيع فيها حقوق الأقليَّات في خضمِّ التَّركيز على البُعد العام.

 

والإشكال الحقيقيُّ يكمُنُ في سوء استغلال «النُّخبة المفترسة» (Predatory Elite) من السِّياسيِّين للتَّنوُّعات الإثنيَّة لأهدافٍ سياسيَّة شخصيَّة .

 

 

 

الإحالات والهوامش:

 

 (1) Deaux, K. (2001). Social Identity . In: J. Worell, Encyclopedia of gender and women Sandiego: Academic Press, 431.

 

 (2) Tajfel, H. (1978). Differentiation Between social Group Relations, Academic Press, London, 63.

 

 (3) Hicks, T. (2001). “Another Look at Identity-Based Conflict: The Roots of Conflict in the Psychology of Consciousness”, Negotiation Journal,January, 36.

 

 (4) Sheldon, Stryker, (ed). (2000). Self, Identity, and Social Movements, University of Minnesota Press, 69.

 

 (5) زايد، حمد: سيكولوجية العلاقات بين الجماعات، (الكويت: سلسلة عالم المعرفة، 2006م)، ص 19.

 

 (6) Afolabi, M.A. (2006) “Inter Group Relations in the 20th Century Nigeria :A Historical Survey” in: O. Akinwumi et al (Eds.) Inter-Group Relations, In Nigeria During The 19th And 20th Centuries. Makurdi: Aboki Publishers. 143, 143.

 

 (7) طه، فرح عبد القادر وآخر: موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، (الكويت: دار سعاد الصباح، 1993م)، ص 215.

 

 (8) عياش، ليث محمد: "أنماط العنف الموجه نحو الطلبة وعلاقتمها بالتعصب"، المجلد العلمي الخامس لمركز أبحاث الطفولة والأمومة، جامعة ديالى، 210م، ص 148.

 

(9) Brown, (2001), 211. In: Dirk Kotze and Hussein Solomon, The state of Africa, 83.

 

(10)  Hicks, T.  Another Look, Op. Cit, 36.

 

 (11) Hoffman, B. (1993). "Holy terror": W.D.D.C.T.C., Virginia Beach, VA and Gurr, T. R. (1993). Minorities at risk: a Global View of Ethnopolitical Conflicts, Washington DC: Institute of Peace Press.

 

 (12) See: Emmanuel Gyimah-Boadi. (2004). Democratic Reform in Africa: The Quality of Progress, Lynne Rienner Publishers. 141-142.

 

 (13) Elbadawi Ibrahim and Nicholas Sambanis. “Why Are There So Many Civil Wars in Africa? Uderstanding and Preventing Violent Conflict”, Journal of African Economies, Vol.9, (Dec 2000): 244-269.

 

 (14) Hyacinth, Kalu. (2011). Together as One: Interfaith Relationships between African TraditionalReligion, Islam, and Christianity in Nigeria,iUniverse, xv

 

 (15) Ibid.

 

(16)  Osaghae, E.E.  & R. T. Suberu. (2005). A History of Identies, Violence and Stability in Nigeria. C.R.I.H.S.E., Working paper , No. 6. 4.

 

(17) القاسم، صالح محمود: النظام السياسي ومشكلة الجنوب في السودان، (عمان: دار جليس الزمان، 2010م)، ص 3.

 

(18)  القاسم، صالح محمود: النظام السياسي، مرجع سابق، ص 25.

 

 (19) Hargreaves, J.D. “The Making of the Boundaries: Focus on West Africa”, in: Asiwaju, A. I. (1985). Partitioned Africans: Ethnic Relations Across Africa's International Boundaries, 1884-1984, 22.

 

(20)  بُراد ببلاد هوسا (Hausa Land / Bakwai Hausa): المناطق الواقعة شماليَّ نهر النيجر ونهر بِنْوي (Benue river)، وتمتدُّ غرباً حتى جمهوريَّة بنين الحالية، وشرقاً حتى مرتفعات باوشِي، وتصل حتى الشَّمال الشَّرقي في بورنو، وحدود نيجيريا الحديثة مع النيجر.

 

 (21) Uebari, Kingom. E. Orji,  N-Ue, Uebari Samuel, Ethnicity and Nation Building in Africa and the Remedial Strategies: The Nigeria Case, ICHEKE Journal, http://ichekejournal.com/ Accessed: 7 Dec, 2015.

 

 (22) القاسم، صالح محمود: النظام السياسي ومشكلة الجنوب في السودان، ص 27.

 

 (23) Crowder, Michael (1962). The Story of Nigeria. London: Faber and Faber, 111.

 

 (24) Rodney, Walter. (1972), How Europe Underdeveloped Africa, Black Classic Press, 277.

 

 (25) Etim, E. Okon. (2014). “Christian Missions And Colonial Rule in Africa: Objective and Contemporary Analysis”, European Scientific Journal, June, Vol.10, No.17, 192-209: 199.

 

(26) Mbiti, John. (1969). African Religions and Philosophy, London: Heinemann, 231.

 

(27)  Robert O Collins. (2005). Problems in African History: The Precolonial Centuries, Markus Wiener, 314.

 

 (28) E.R. Sanders, (1969). “The Hamitic Hypothesis: Its Origin and Functions in Time Perspective”, The Journal of African History, Vol.10, No.4, 521-532.

 

 (29) Ndahiro, Tom. “Genocide and the Role of the Church in Rwanda”, Pambazuka News, April 16, (2005).

 

(30)  Josias, Semujanga. (2002). The Origins of Rwandan Genocide, Humanity Books, 139.

 

 (31) Joan, Kakwenzire and Dixon Kamukama, "The Development and Consolidation of Extremist Forces in Rwanda 1990-1994" in: Howard Adelman &AstriSuhrke. (2000). The Path of a Genocide: The Rwanda Crisis from Uganda to Zaire, Transaction Publishers, 85.

 

 (32) David W. Waruta, "Tribalism as a Moral Problem in Contemporary Africa," in: Jesse N. K. Mugambi and Anne Nasimiyu-Wasike, eds., (1992). Moral and Ethical Issues in African Christianity (Nairobi: Initiatives Publishers, 112-130: 127.

 

 (33) Ibid.

 

 (34) Ibid.

 

(35) Pauw, Jacques. (2006).Dances with Devils: A Journalist's Search for Truth, Zebra, 107.

 

 (36) Stephen, Rwembeho. “When Churches became a Killing Field”, The New Times, March 25, (2007), www.newtimes.co.rw/

 

(37)  Mamdani. (2001). When Victims Become Killers: Colonialism, Nativism, and the Genocide in Rwanda, Princeton, University Press, 226.

 

(38) Catherine, Coquio. (2004). Rwanda: Le réel et les récits, Belin, 202.

 

(39)  Bruce Berman, et al. (2004). Ethnicity & Democracy in Africa, James Currey Publishers, 66.

 

 (40) Ndanga, Noyoo. (2000). «Ethnicity and DevelopmentisSub-SaharanAfrica », Journal of Social Development in Africa, Vol.15, No.2, July, 55-67 :60.

 

 (41) Ndlovu, Gatsheni, et al. (2013). Nationalism and National Projects in Southern Africa: New Critical Reflections, Africa Institute of South Africa, 90.

 

(42)عبد الرحمن، محمد السيد: نظريات النمو، علم نفس النمو المتقدم، (القاهرة: مكتبة زهراء الشرق، 2001م)، ص 159.

 

 (43) Aidan, W. Southhall. « The Illusion of Tribe », in : Roy Richard Grinker, et al. (2010). Perspectives on Africa: A Reader in Culture, History and Representation, 83-94.

 

(44)  Kotze, Dirk, Hussein Solomon. (2008). The State of Africa: Post-conflict Reconstruction and Development, African Books Collective, 84.

 

 (45) Mazrui, A. A. (ed). (1999). General History of AfricaSince 1930, California : University of California Press, 794.

 

 (46) Heine and Nurse (ed). (2002). AfricanLanguages: An Introduction, Cambridge Unv. Press, 1.

 

 (47) Akintunde, Oyetade. Ethno-Linguistic competition in the Giant of Africa, in: Andrew Simpson, Language Vitality in Africa, 172-198.

 

 (48) Kotze, Dirk, Op. Cit., 84.

 

 (49) Ndanga, Noyoo. (2000). «Ethnicity and Development… », Op. Cit., 58.

 

 (50) ينظر كتاب: "دراسات إفريقية عن الحركات الاجتماعية والديمقراطية"، في: القاسم، صالح محمود. النظام السياسي ومشكلة الجنوب في السودان.

 

 (51) Elaigwu, J.I. (2011), Topical Issues in Nigeria's Political Development, Jos: Ala Publishing House. Pp. 102, 103-104.

 

 (52) Aquiline, Tarimo S.J. “Politicization of Ethnic Identities and the Common Good in Kenya”, http://www.scu.edu/ethics/practicing/focusareas/global_ethics/kenya.htm/ Accessed: 7 Dec, 2015.

 

بقلم الدكتور آدما بمب